in

راهيم حساوي، الإشكاليّ دوماً “أنا حاقد في أعمق أعماقي”

في روايته الأولى الشاهدات رأساً على عقب الصادرة عن دار العين بالقاهرة 2013، وفي روايته الثانية الباندا الصادرة عن هاشيت أنطوان ببيروت 2017، قدم الروائي راهيم حساوي إهداءه على الشكل التالي: (للذين لا أعرفهم ولا يعرفونني).

التقت أبواب بالروائي راهيم حساوي بعد وصوله إلى ألمانيا كضيف على مؤسسة “هاينريش بول” الثقافية، ومن إهدائه في روايتيه جاء السؤال الأول: من هم هؤلاء الذين لا تعرفهم ولا يعرفونك؟

كل إنسان لم ألتقِ به ويلتقِ بي، كل إنسان لم تتشوّه لديه الصورة المبنية على ما يجمعنا من وحدة حال على هذه الأرض بعيداً عن كل النزعات التي تصيب المرء عادةً بعد معرفته بالآخر، ببساطة شديدة ما أنْ ينطق المرء مع الآخر حتى تبدأ تتكسر لديه الصورة -ولا أتحدّث عن نفسي في هذا الأمر بل عن كل واحد منا- المعرفة شيء يميل للنقص أكثر منه للكمال، أنْ أتخيّل شخصاً لا أعرفه ولا يعرفني  خير لي وله من الذين عرفتهم أو الذين عرفهم، وهذا يقودنا للحفاظ على أنفسنا من تدهور صورة الإنسان في داخلنا وفي خيالنا، أمام التدهور الذي نشعر به على مقربةٍ ممن نعرفهم ويعرفوننا.

قمت بتوقيع روايتك الجديدة “الباندا” في مدينتي كولونيا وبرلين في شهر أيلول الماضي، هذه الرواية تناولت بحدة مسألة جائزة نوبل للسلام، فهل يؤزمك مفهوم الجوائز والتتويج، ولماذا؟

بدايةً وقبل كل شيء الرواية تبقى رواية بكافة عناصرها من سرد وشخصيات وطرح وأمكنة وعوالم خاصة بها، والموضوع العام ليس بالضرورة أنْ يختصر رواية بحالها في حال كانت روايةً جيدة، ولكن نستطيع القول أنها تطرقت لجائزة نوبل للسلام تحديداً من بين بقية جوائز نوبل التي لا مشكلة لدي معها، لكن مشكلة عاصم التل ومن بعده ابنه عمران كان لديهما رؤية فلسفية وتحليلية لهذه الجائزة على وجه الخصوص، لنجد في نهاية الرواية كيف أنّ جميع البشر أبطال بشكل أو بآخر، وبالتالي ما قيمة أنْ يتم منح هذه الجائزة لشخص على حساب مليارات البشر القابعين في الظلام دون معرفة القائمين على الجائزة بهم.

نعم يؤرقني هذا الأمر، ولو لم يكن كذلك لما تناولته بهذه الرواية، ولدي يقين كامل بأنه سيأتي يوم وتتوقف فيه هذه الجائزة الخليعة والمبتذلة، وفي حال عدم توقفها يجب علينا أنْ ننظر للذي يحظى بها نظرة استخفاف، وكأنه مجرد شخص سعيد بقطعة سكاكر كالتي يتناولها الأطفال، هذا في أحسن أحواله، حتى لو كان يستحقها، فما بالك بالذين لا يستحقونها! بجميع الأحوال لا نريد لأحد أنْ يتوّج شخصاً تحت ذريعة السلام والإنسانية، مادام هناك الملايين من البشر على هذه الأرض، فما يفعله الإنسان من أمور تتعلق بالسلام والحب والمحبة تعود للشخص ذاته، وليس لتصديره من أجل الوصول إلى جائزة ما هي إلا فخ لانتهاك ما تبقى من بشر.

لا مشكلة لديّ مع ما تبقى من جوائز، فهي قائمة على دوائر لا تمس كل البشر، هي جوائز في مجالات الأدب والكيمياء والعلوم والطب وغيرها. لا بأس بها، وقد تكون جيدة في بعض الأحيان.

أنت شخصية إشكالية، عدواني، متهكم، هل تتقصد تصدير نفسك للآخرين بهذا الشكل؟ ولماذا؟

العدوانية ذات شكلين؛ شكل يتعلق بالبحث عن النتائج، وشكل يقوم على الدوافع، لدي ما يكفي من دوافع لكي أكون عدوانياً، ولست من الذين يبحثون عن النتائج بقدر ما أنا ممن يلتمسون طيفاً من العدالة عن طريق هذه الدوافع.

من جهةٍ ثانية، حين يغيب الحب والصدق ما الذي يفعله المرء بما تبقى من دراما الحياة! لا شيء سوى بعضٌ من العدوانية وكثيرٌ من الاحتقار، بعيداً كل البعد عن الكراهية. وكم كان جميلاً لو أنّ العدوانية تقوم على شيء من النُبل بعيداً عن النذالة وعن تلك الأسباب الوضيعة والرخيصة والتي لا تبررها حتى النفس الأمّارة بالسوء.

لو أتيح لك أن تلتقي فقط بمن تحب في هذه الحياة كيف كانت ستكون شخصيتك؟ هل يبقى راهيم حساوي كما هو دون كل أولئك الذين يكرههم؟

أكرر لك أنا لا أكره أحداً أبداً، أنا حاقد في أعمق أعماقي، وبذات الوقت أنا حزين على ما نحن عليه (أنا والذين أمقتهم).

أحب أنْ أحظى بمليون دولار وأرحل إلى البعيد كي أعيش مع راهيم الذي أحبه، والذي أرهقته بأوامري، وبزجّه كقاتل مأجور، أنا متورط بهذا السيناريو، ولا يُخرجني منه سوى رؤية الحب في عيون الناس.

اقرأ أيضاً:

مرايا الجنرال، رواية عن…
شيءٌ من فيض الجمال… هنا حين ينشد…
تكريم الأديبة اللبنانية إميلي…

 

ابنتي وأنا وأنغيلا ميركل

مدنيو دير الزور: الخسارة الكبرى