in ,

جرائم العنف الجنسي لنظام الأسد أمام القضاء: حوار مع الحقوقية والباحثة جمانة سيف

الحقوقيتان جمانة سيف وليلي ألكاثر

أجرت الحوار سعاد عباس
استخدم نظام الأسد جرائم العنف الجنسي والاغتصاب كسلاح حرب في نهج متعمد وعلى نطاق واسع ضد النساء والفتيات والرجال والفتيان لتحقيق مكاسب فورية وبأثر مديد، تتجلى آثارها على الأفراد من خلال إحداث أضرار جسدية ونفسية عميقة وتشوهات بالأعضاء التناسلية غالباً ما تدوم الى الأبد، وتهدف عموما إلى إذلال البيئة الحاضنة للثورة.

كان النظام يدرك جيداً فعالية هذا السلاح في تفكيك المجتمعات وإعاقتها وتدمير نسيجها الاجتماعي، وهو يراهن على حساسية هذه الجرائم ومحاذير الإفصاح عنها من قبل الضحايا وخصوصاً في مجتمع محافظ كالمجتمع السوري، والذي لا يعطي في الغالب للناجيات والناجين من العنف الجنسي لنظام الأسد فرصة للتحدث عن تجاربهن/م فحسب، بل على العكس من ذلك، تراه يتعامل معهن/م بشكل سلبي وقد يصل الأمر إلى نبذ الضحايا من قبل عائلات ومجتمعات الضحايا ووصمهم بالعار وخصوصاً النساء، اللواتي يعتبرن حاملات لشرف العائلة والمجتمع، الأمر الذي يعطي الأسد الفرصة للإفلات من العقاب على هذه الجرائم الفظيعة.

ولأنه لا يمكن اجتزاء العدالة وتغييب المساءلة عن جرائم أثّرت على حياة عشرات الألاف من السوريين والسوريات بشكل عام، وأثرت بشكل أكثر عمقاً على حيوات النساء، وكخطوةٍ نحو تحقيق العدالة لهم  تلقى مكتب المدعي العام الفدرالي في كارلسروه، جنوب غرب ألمانيا، شكوى مقدمة من سبعة لاجئين سوريين هم ضحايا أو شهود لعمليات اغتصاب وتعديات جنسية في معتقلات نظام بشار الأسد. أصحاب الشكوى هم أربع نساء وثلاثة رجال لاجئون في أوروبا، كانوا قد تعرضوا للاعتقال في مراكز احتجاز للمخابرات الجوية في دمشق وحلب وحماة.

توضح الدعوى الأشكال المختلفة من الجرائم الجنسية والقائمة على النوع الاجتماعي التي ارتكبت في ضدهم آنذاك وهي موجهة ضد تسعة من كبار المسؤولين فيه بما فيهم رئيسه السابق جميل الحسن والذي صدرت مذكرة توقيف دولية بحقه في حزيران 2018 وتطالب بإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الثمانية الاخرين. (رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام السوري علي مملوك، وسبعة مسؤولين آخرين رفيعي المستوى في المخابرات الجوية يرأسون عددًا من القيادات والفروع الأمنية، ومنهم جودت الأحمد، ومحمد رحمون، وغسان إسماعيل، وعبد السلام فجر محمود)

التقت أبواب بالسيدة جمانة سيف وهي حقوقية سورية باحثة زميلة في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان ECCHR؛ ومن مؤسسات الحركة السياسية النسوية السورية وشبكة المرأة السورية؛ ورئيسة مجلس ادارة مؤسسة اليوم التالي.

1.            السيدة جمانة، هل يمكنك التعريف بشكل سريع بالدعاوى التي تعملين عليها والمرفوعة من قبل هؤلاء الضحايا الذين عانوا في معتقلات النظام السوري؟

أعمل منذ 3 سنوات في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان ECCHR في برلين والذي يعمل على التقاضي الدولي بمقتضى الولاية القضائية العالمية. قدم المركز منذ آذار 2017 بالشراكة مع المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير أربع دعاوى جنائية في ألمانيا، وواحدة في كل من النمسا والسويد والنرويج ضد جرائم القتل والتعذيب التي يرتكبها نظام الأسد في معتقلاته ومقرات أجهزته الأمنية. منذ بداية عملي انصب تركيزي على التحقيق في العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في المعتقلات السورية إلى أن تمكنت مع زميلتي ليلي ألكاثر وهي محامية ألمانية، من بناء الدعوى ضد جهاز المخابرات الجوية وتقديمها إلى المدعي العام الألماني في 17 حزيران الماضي بالشراكة مع شبكة المرأة السورية ومنظمة أورنامو لتكون الدعوى الثامنة التي يقدمها المركز.

2.            ما أهمية اختيار جرائم العنف الجنسي والجرائم القائمة على النوع الاجتماعي تحديداً؟

لأن هذه الجرائم بوصفها جرائم ضد الإنسانية لم يتم التحقيق فيها ولم يتم ذكرها في أية وثائق قضائية صدرت إلى الآن، على الرغم من منهجية وسعة نطاق ارتكابها، ولأن هذه الجرائم غالباً ما يتم السكوت عنها على الرغم من آثارها النفسية العميقة والمدمرة أحياناً، فآثار جرائم التعذيب تظهر بوضوح على أجساد الضحايا أما آثار هذه الجرائم فلا تظهر ونادراً ما يتم الإبلاغ عنها خوفاً من الوصم والنبذ وإقصاء المجتمع كل هذه الأسباب دفعتني وزميلتي للتركيز عليها.

3.            الضحية في هذا النوع من الجرائم هي ضحية مضاعفة، فعدا عن التعذيب والانتهاك الذي تتعرض له على يد المخابرات هي أيضاً ضحية مجتمع وبيئة تعاقبها، فما هي رؤيتك حول خصوصية هذا الموضوع ؟

نعم للأسف، من خلال متابعتي لقضية العنف الجنسي والجرائم المرتكبة في معتقلات المخابرات السورية على مدى السنوات السابقة ومن خلال علاقتي وتواصلي مع الضحايا، أرى أنهن/هم يتعرضن/ون إلى ظلم مضاعف ويدفعون الثمن أضعافاً وخصوصاً النساء، ومن هنا أرى أن العمل على هذه القضية من أجل تغيير الواقع المؤلم هي مسؤولية وواجب أخلاقي يقع على عاتقنا جميعاً كسوريين.

4.            بعيداً عن رؤيتك كحقوقية كيف يمكن التأثير على البيئة الاجتماعية التي ترفض الضحايا بسبب شبهة العار؟

أنا أرى العار أن نترك هؤلاء الضحايا من النساء والرجال يواجهون مصيرهم البائس دون تقديم الدعم الصحي والنفسي والقانوني لهم ودون الاعتراف بما تعرضوا له ورد الاعتبار لهن/م وتعويضهن/م ولو معنوياً.
لابد من العمل على تغيير التصورات والمفاهيم الخاطئة في المجتمع، فهؤلاء ضحايا العنف الجنسي لنظام الأسد المتوحش، كل ذنبهن/م أنهن/م آمنوا بالحرية والكرامة فشاركوا بثورة الشعب السوري فجاءت الأثمان باهظةً بسبب إصرار النظام الاسدي على الانتقام منهن/م وإذلال وترهيب بيئاتهن/م الحاضنة.
وأعتقد أن حملة الطريق إلى العدالة التي تقودها المنظمات النسوية، “بدائل” و”دولتي” و”الصحفيات السوريات” “منظمة نساء الآن” و”سيريا كمبين”، هي حملة مهمة جداً على صعيد تغيير الصورة النمطية حول العنف الجنسي في المعتقلات السورية.

5.            كيف يمكن لهذه الدعوى المقدمة من قبل سبعة أشخاص أن تدفع بضحايا آخرين إلى المواجهة؟

الهدف من هذه الدعوى هو التحقيق في هذه الجرائم والاعتراف بها في وثائق قضائية دولية، مما سيؤسس مستقبلاً لإتاحة المجال للضحايا لمقاضاة المرتكبين إذا رغبن/ وا بهذا الخيار، وسيؤسس للاعتراف بحقوقهن/م على كل الصعد وسيسلط الضوء على معاناتهن/م والقصور الحاصل في تقديم الدعم والخدمات الضرورية لهن/م. فبرأيي، على الأقل 90 % منهن/م متروكين للقدر يعيشون معاناتهن/م بصمت ودون أي دعم.

6.            برأيك كيف يمكن تحقيق العدالة للضحايا مع صعوبة الوصول للمتهمين بعكس حالات المتهمين الموجودين في أوروبا؟

أعتقد أن ما يجري الآن من جهود للمحاسبة والعدالة في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية بمقتضى الولاية القضائية العالمية وأنا جزء منها، هي جهود رمزية ولكن أهميتها تأتي بفضح جرائم النظام وإبقائه على الطاولة، ومن أنها تؤسس لحقوق الضحايا في أية مسارات قضائية مستقبلية بما فيها العدالة الانتقالية.

في ختام الحوار أكدت جمانة سيف لأبواب أنه لايمكن للعدالة أن تكون منقوصة ولهذا لابد من التحقيق في جميع جرائم نظام الأسد والاعتراف بها ورد الاعتبار للضحايا، من أجل تأسيس سوريا المستقبل الدولة الديمقراطية التي تحترم كل مواطناتها ومواطنيها وتنصفهم.

اقرأ/ي أيضاً:

“العدالة حقّ لنا نحن السوريين جميعاً” جمانة سيف تروي قصتها لأبواب
“أصوات في مقاومة الصمت” شهادات من معتقلات في سجون الأسد
الولاية القضائية العالمية هي إنصاف للضحايا وتعزيز للعدالة
عيوننا تترقب محكمة كوبلنز الألمانية: مسؤول من النظام السوري أمام العدالة

إعادة فتح الحدود: قائمة الدول التي سيسمح لمواطنيها بدخول دول الاتحاد الأوروبي

القائمة الكاملة للدول التي سيسمح لمواطنيها بدخول دول الاتحاد الأوروبي بدءاً من 1 تموز

أخبار ألمانيا: تحقيقات مع آلاف المتورطين في جرائم جنسية بحق الأطفال في ألمانيا

بدء التحقيقات مع آلاف المتورطين في جرائم جنسية بحق الأطفال في ألمانيا