in

برلينيات طبيب أسنان 1.. مسابقة في التطرف

الحديث عن المهاجرين القدماء
العمل الفني: محمد خياطة

كنت مدعواَ من قبل إحدى العاملات في جمعية ألمانية مهتمة بمساعدة الأجانب في برلين إلى أمسية ثقافية واجتماعية، حينما التقيت صدفةً مع أحد المراجعين في العيادة، وهو رجل أربعيني مع زوجته الثلاثينية وطفلتهما ذات الأربع سنوات والمولودة في ألمانيا، لم يتعرف الرجل عليّ للوهلة الأولى رغم أنه كان ينظر إليّ بإمعان محاولاً أن يتذكر من أين لي أن أعرفه وأناديه باسمه.

طبعاً كثيراً ما تحدث معي هذه المواقف فمراجعي العيادة ألتقي بهم بلباسٍ أبيض وربما كمامة الوجه فتضيع ملامحي أمام المرضى، ولذلك عندما ألتقيهم خارج العيادة بلباس آخر أو هيئة أخرى لا يتعرفون عليّ إلا بعد ترددٍ طويل إلا من يحفظني شكلاً وهيئة.

المهم أن الرجل سر بلقائنا بعدما عرفته عن نفسي، فطلب من زوجته الاقتراب محاولاً أن يعبر أكثر عن سروره باللقاء هنا. ثم أخذنا الحديث عن الحياة الجديدة في ألمانيا فقد كان صاحبي مسروراً جداً ( بانطلاقته من جديد مع الحياة) كما ذكر، وبدأ يسرد عليّ ما يحصلون عليه من مساعدات وعدد الكثير منها، ثم استطرد قائلاً ولكن مايزعجني يا دكتور أن الأجانب القدماء هنا وحتى أبناء بلدنا ينظرون إلينا بنظرة فوقية، والبعض منهم لا يريد أن يتعامل معنا أو يحسدنا ولكن لا أعلم لماذا.

وبينما هو متحمس في الحديث عن المهاجرين القدماء -كما يحب أن يصفهم- ابتسمت له أكثر من مرة محاولاً أن أقاطعه، فأدرك أنني أريد أن أعترض على تعميمه الحديث، فأردف “أعرف يا دكتور أنت أيضاً قديم هنا ولكن لم أقصدك بكلامي”.

وبينما نحن نتبادل وجهات النظر حول الموضوع لمحني أحد الأصدقاء القدامى وهو يعمل مترجماً فتقدم نحونا بالتحية والسلام فعرفتهما على بعضهما البعض مقدماً صديقي المترجم بـ: القادم القديم، وصاحبي الآخر بـ القادم الجديد. ولكنني أعترف للأسف بأنني لم أستطع أن أبني جسراً لأي حديث بينهما، رغم أكثر من محاولة فتركنا صاحبي الجديد مستأذنا مع زوجته وطفلته ليكمل الاحتفال بالأمسية.

الحديث عن المهاجرين القدماء.. له بقية

بعدها تابعت الحديث مع صديقي المترجم أولاً عن عملي بالعيادة ومتاعب المهنة وصعوباتها، ثم أكملناه بالحديث عن عمله كمترجم في برلين ومايعانيه من إشكالات، فكان جل كلامه يدور حول عدم الرضى والتأقلم لدى القادمين الجدد، وأبدى هو أيضاً استغرابه من ذلك، فمازحته –ولكن بأسلوب جدي لا ينم عن مزاح- قائلاً أنني أعمل منذ شهرين على التوثيق حول النظرة إلى القادمين الجدد من قبل الألمان ومن قبل الأجانب القدماء راجياً إياه أن يعبر لي عن وجهة نظره فأجابني بسؤال أكثر جدية من سؤالي: وماكانت نظرة الألمان حول ذلك؟

فقلت له: بصراحة حتى الآن أنا قسمت الألمان إلى مجموعتين، إحداهما موافقة ومتقبلة للأجانب، والثانية رافضة تماماً ولكنها لا تتجرأ على التعبير عن ذلك جهاراً ربما لأسباب سياسية. ولكنني ربما أضيف لاحقاً مجموعة ثالثة هي التي بين الأولى والثانية؛ فلا هي متقبلة تماماً ولا هي رافضة بشكلٍ حاسم. وما أن انتهيت من ذكر المجموعة الأخيرة حتى دنا صديقي هامساً في أذني اليمنى: 

  • أتريد الصراحة يا دكتور؟ 
  • بالتأكيد !
  • أنا صنِّفني مع المجموعة الثانية ولكن ليس لأسباب سياسية، في الحقيقة أنا يا دكتور أصبحت أخجل من تصرفات البعض منهم أمام الألمان، حتى أنني بدأت أخفي عن بعضهم من أي بلد أنحدر حرصاً على علاقتي مع الألمان. هؤلاء… هؤلاء… آخ آخ يا دكتور 

فقلت له، صديقي لا تشكو كثيراً، صحيحٌ أنني أصنف الألمان إلى المجموعات الثلاث تلك، لكنني سوف أقسم الأجانب القدماء إلى نفس المجموعات ولكن مع إضافة: “الأكثر تطرفاً من الألمان”.

لم يتمالك الصديق نفسه عندما سمع جملتي الاخيرة فبادرني بالقول: “إيييييه خليك انت بخيالاتك ورومانسياتك آخ منك آخ انت التاني” وانسل بين الجمهور مرة أخرى دون وداع.

د. باري محمود. كاتب وطبيب سوري مقيم في ألمانيا

اقرأ/ي أيضاً:

بالفيديو: محاولات لتفسير العلاقات المأزومة ما بين القادمين الجدد والمهاجرين القدماء

مؤسسة الدار تبني الجسور بين المهاجرين القدماء والجدد

القادمون الجدد والمهاجرون القدماء… أزمة الحاضر والماضي 2

التأهيل للدراسة الجامعية – اللغة والاندماج.. منحة “HERE” من جامعة بريمن

جامعة برلين الحرة.. أوكسفورد ألمانيا في القرن العشرين