in

“العلمانية والدين في العالم العربي” في معهد الدراسات الشرقية في جامعة لايبتزغ

 محمد الماغوط – في إطار الفصل الدراسي الصيفي لعام 2017، قدّم طلاب ماجستير الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية في جامعة لايبتزغ حلقة بحث\سيمنار بعنوان “العلمانية والدين في العالم العربي”،.

وقدم السيمينار لمحة عامة عن نشوء العلمانية وتطورها في العالم العربي -بوصفه حالةً اجتماعية وفكراً سياسياً وفلسفياً أيضاً- على مدى القرنين الماضيين، وعلاقتها بمختلف التيارات الدينية والسياسية والاجتماعية الأخرى. وتوجه إلى الطلاب المهتمّين بموضوعات من قبيل نشوء الدول، التطورات الاجتماعية، والصراعات الأيديولوجية، وتحديداً تلك المتعلّقة بدور الدين في المجال العام في سياق عربي-إسلامي.

وطرحت من خلاله أسئلة من قبيل “هل العلمانية أيديولوجيا فرضت من القوى الاستعمارية والنخب المتغرّبة أم أنها نتيجة تطورات داخلية في المجتمع العربي، سبقت أو حتى أنها جاءت ردّاً على الاستعمار؟”، و”هل الإسلاموية نقيض العلمانية أم أنها نتيجة لها؟”. وغطى السيمنار هذه الموضوعات على مدى 12 جلسة أسبوعية، لم تكن مقتصرةً على السياسة بل امتدت إلى المجتمع، والثقافة الشعبية، والإعلام.

كانت النصوص المقررة -باللغات العربية والإنكليزية والألمانية- متنوعة ما بين دراسات أكاديمية لباحثين عرب وغربيين من أمثال عزيز العظمة، ألبرت حوراني، شريف مردين، أسامة مقدسي، بسام طيبي، برنارد لويس، وأوليفيير روا. إضافة إلى نصوص صحافية ودراسات فلسفية ودينية لمؤلفين عرب من مختلف المشارب والاتجاهات، كعلي عبد الرازق، سيد قطب، صادق جلال العظم، ويوسف القرضاوي. فضلاً عن ذلك عُرضت أفلام وثائقية ومقاطع مصورة، وشُجع الطلاب على متابعة ما يدور في الإعلام العربي من مناقشات عن الدين ودوره في الحياة العامة.

التيارات العربية التي استجابت للحداثة وفي مقدمتها تيارا النهضة والإصلاح الإسلامي

وابتدأ السيمنار بجلسة تناولت نظرية العلمنة في علم الاجتماع (والمناقشات الدائرة حولها) بوصفها إطاراً نظرياً للجلسات اللاحقة. أما الجلسات التالية فجاءت مرتبة زمنياً وموضوعياً، فبعد تقديم خلفية تاريخية عن أوضاع البلاد العربية في ظل الحكم العثماني، وأثر الإصلاحات المعروفة بالتنظيمات فيها، جرى الانتقال إلى التيارات العربية التي جاءت استجابةً للحداثة وفي مقدمتها تيارا النهضة والإصلاح الإسلامي.

الجلسة التالية عالجت المرحلة الاستعمارية، التي شهدت بروز القومية العربية وبدايات الحراك الإسلامي؛ ومن ثم الصدام بين هذين التيارين في عدد من البلاد العربية بعد الاستقلال؛ حيث ترافق ذلك الصدام بنزاعات عسكرية وسياسية (إقليمية وعالمية) وتغييرات هيكلية اقتصادية. وقد عالج السيمنار أيضاً المناقشات الفكرية والأيديولوجية الحادّة بعد نكسة عام 1967، فضلاً عن ظاهرة الجهاد العالمي والتمازج بين النيوليبرالية وعدد من التيارات الإسلامية. وفي ختام السيمنار تم تناول المناقشات الواسعة التي أثارها الربيع العربي فيما يتعلق بطبيعة الدولة (إسلامية، مدنية، أم علمانية).

المواضيع المطروحة من الحركة النسوية الإسلامية إلى الطائفية في الحرب الأهلية في سورية

إلى جانب طلاب برنامج الدراسات العربية والإسلامية في جامعة لايبتزغ، حضر جلسات السيمنار طلاب من برنامج دراسات العولمة الذي تديره جامعة لايبتزغ بالاشتراك مع جامعات أخرى عدة، من ضمنها كلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية وجامعة فيينا، مما أغنى المناقشات الدائرة فيها بوجهات نظر مختلفة. وقدّم كل طالب مشارك محاضرةً اختار موضوعها من بين عدد من الموضوعات المقترحة مثل الحركة النسوية الإسلامية، الطائفية في الحرب الأهلية في سورية، والعلاقة بين الإخوان المسلمين في مصر والوهابية.

هذا وقد أثيرت نقاشات عميقة بين الطلاب في جلسة تناولت التغييرات العمرانية في مدينة مكة المكرمة، حيث  يتم إزالة مباني المدينة التاريخية المرتبطة بالحقبة النبوية من أجل إقامة فنادق فاخرة ومراكز تسوق على الطراز الغربي. وطرحت هذه الجلسة تساؤلاً حول ما إذا كان يمكن عدّ هذه التطورات -التي يمتزج فيها التوسع الاستهلاكي النيوليبرالي بأكثر أشكاله حدّةً مع أيديولوجيا دينية معادية لأي تجلٍّ للقداسة في العالم المحسوس- شكلاً من أشكال علمنة الإسلام “من الداخل” أم محض تحول سطحي لا يمس جوهر الدين وطبيعته في شيء.

انتهت المناقشة بسؤالٍ مفتوح عما إذا كان من الممكن في المستقبل غير البعيد أن تشهد المملكة العربية السعودية تحولاتٍ جذرية فيما يتعلق بدور الدين في الحياة العامة، خصوصاً إذا تابعت مسيرة تحولها إلى اقتصادٍ رأسمالي حر على النمط النيوليبرالي، وما قد يتبع ذلك من تغيرات اجتماعية وثقافية جذرية قد لا يمكن للأسرة الحاكمة ولا المؤسسة الدينية السيطرة عليها.

يمكن الاطلاع على برنامج السيمنار وعلى ملخصاتٍ باللغة العربية لجلساته كافة (مع إمكان تحميل النصوص المقررة لكل جلسة) على الرابط . https://religionculturesociety.me/category/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/

*محمد الماغوط باحث سوري حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية من جامعة لايبتزغ، ويعمل باحثاً في مركز الدراسات الإنسانية المتقدمة “العلمانيات المتعددة: ما بعد الغرب، ما بعد الحداثات” في الجامعة نفسها. في مجال العلمنة والدين في العالم العربي من منظور اجتماعي-تاريخي، إضافة إلى سوسيولوجيا المعرفة والدين في إطار التعليم العالي.

مواضيع ذات صلة:

عن العلمانية والدين

العلمانية.. حافظة الموزاييك السوري

العلمانية والإسلام

 

شيءٌ من فيض الجمال… هنا حين ينشد “رولاند باوه” للسلام

الخطوط الحمراء في مجتمعنا السوري، ثوابت أم متغيرات تابعة للبيئة والمجتمع؟