in

الربيع العربي في مهرجان برلين

د. رينيه فيلدانغل – برلين

ركزت دورة عام 2016 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، أكبر مهرجان سينمائي في ألمانيا تنظمه برلين، ركزت بشكل خاص على أفلام من العالم العربي. حيث خاض الفيلم التونسي نحبك هادي (أحبك هادي) المسابقة الرسمية، كما استضافت فعاليات أخرى في المهرجان أفلامًا من الجزائر ومصر ولبنان والمغرب وفلسطين وسوريا والمملكة العربية السعودية، البلد الذي لا يوجد فيه عمليا أي دور للسينما! من الصعب أن يكون هذا التراكم للأفلام العربية من قبيل المصادفة. قال كريستوف تيرهكته، رئيس “منتدى” الرواد في مهرجان برلين: “لم نخطط لعرض أفضل الأفلام العربية، هناك الكثير منها في المنتدى لأننا شعرنا أثناء عملية الاختيار بأن هناك الكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام القادمة من المنطقة أفلام وثائقية ونماذج تجريبية ونماذج هجينة بالإضافات إلى النقاشات التي تدور في الوقت الراهن”.

تميل قصة فيلم نحبك هادي إلى أن تكون قصة تقليدية حول شاب يعيش حالة من التمزق بين الحياة العائلية التقليدية، ورغبته في الخلاص. تشترك في هذا المفهوم في مهرجان برلين، عدة أفلام أخرى قادمة من المنطقة العربية حيث تعالج الأعراف الاجتماعية القديمة والأفق الضيق، التي لا تزال موجودة إلى حد كبير بعد الثورات، كما أنها لا تزال تحتل الأولوية في المنطقة. برز في عصر الربيع العربي الملتبس، جيل جديد من السينمائيين الذين لديهم أسئلة أكثر مما لديهم من الأجوبة. يبحثون عن طرق جديدة لسرد قصصهم وأشكال جديدة للتعبير عنها. كما أنهم يقومون باستكشاف تاريخ المجتمعات العربية لإيجاد سبل للخروج من المأزق الحالي.

نحبك هادي

قال تامر السعيد لأبواب: “نحن مجبرون على التعامل مع كل هذا في أفلامنا”. عمل تامر لمدة سبع سنوات في آخر أيام المدينة. الذي يرسم بطريقة شاعرية صورة عن القاهرة، والذي  تم تصويره قبل وقت قصير للغاية من انطلاقة الثورة في عام 2010، يمكن أن نلحظ طيلة الفيلم أنه يعكس شلل النظام القديم وطاقة التغيير التي تلوح في الأفق. يشعر خالد، الشخصية الرئيسية في الفيلم وأصدقاؤه وصانعي أفلام من بيروت وبغداد، بعدم الأمان بالنسبة للمستقبل ويعيشون كل يوم بيومه.

تم العمل على هذا الفيلم دون أن يكون هناك نص، في حين ساهمت الأحداث المأساوية التي وقعت خلال السنوات الخمس لمرحلة ما بعد الإنتاج في تشكيله. قال تامر: “عرفت أن الربيع العربي مشروع طويل الأجل غير أن هناك شيء ما تغير وأفلامنا جزء من هذا.

أما محمود الصباغ من المملكة العربية السعودية فقد قال “من الواضح أن هذا الجيل ليس جيل بطولة”، الأمر لا يتعلق بمعركة الجزائر أو مجد الإسلام. “جيلنا ليس هكذا، نحن نميل أكثر إلى أن نكون ضد الأبطال”. كان فيلم “بركة يقابل بركة” الذي شارك به في مهرجان برلين من المفاجآت الكبيرة في المهرجان. وأحد الأفلام الروائية السعودية القليلة جدًا التي رأت الحياة في السنوات الأخيرة. تم تصوير الفيلم أيضًا في مدينة جدة الساحلية السعودية، دون أن يكون هناك نص. تم حظر دور السينما في البلاد رسميًا منذ الثمانينيات. غير أن صباغ يشير إلى الماضي، عندما كان لجدة ثقافة سينما بديلة مفعمة بالحيوية.​​ احتفل الجمهور من خلال العرض الأول في برلين بالكوميديا التي قدمها، حيث أراد أن يختبر إذا ما كان هناك مساحة متزايدة من أجل الإصلاح في المملكة العربية السعودية. يعبر جيل الشباب عن رغبته بمزيد من الحرية والليبرالية حيث أنه مستثنى بالكامل من الفضاء العام وغير قادر على صياغة مستقبله.

وأضاف تامر السعيد: “يبدو أن السعي للتوصل إلى شكل جديد من أشكال التعبير أمر قد أصبح أشد إلحاحًا، في ظل مواجهة انعدام الأمن الوجودي”. كما أن “مفهوم الحياة والموت مختلف، إذا ما كنت في منطقة حرب أو في حال سلم”. وتابع “نشعر بأن هناك شيء مُلّح في حياتنا، وفي فننا كذلك”. يعتبر هذا الأمر صحيحًا بالنسبة للمساهمة السورية في مهرجان برلين، عبر فيلم “منازل بلا أبواب” الذي تم تصويره في حلب، لـ آفو غابرياليان الذي يبدو أنه يرسم نوعًا خاصًا من الطاقة الفنية التي استوحيت من الكارثة. تم تصوير الفيلم الوثائقي التجريبي تمامًا في شقة عائلة غابرياليان التي تقع في الميدان، الجزء الأرمني من حلب. الفيلم عبارة عن مزيج من صور الحرب التي التقطت من الشرفة، والتي تم التقاطها عن بعد (ومن مسافة أقرب) ومشاهد سريالية ضمها الفيلم لصور الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن ورحلة الفرار من تركيا قبل 100 عام. اعتقل النظام السوري غابرياليان في عام 2012. وتم تدمير جميع المواد التي كان قد تم تصويرها حتى ذلك الحين. “بدأت بعد ذلك، أفكر بشكل كبير فيما يتعلق بالذاكرة والتاريخ وسرد القصص”. تعتبر النماذج الوثائقية التي يقدمها هؤلاء المخرجين الشباب هشة وتمر بمرحلة انتقالية كما هو حال المنطقة بأسرها.

في ألمانيا، حيث وصل العام الماضي، مئات الآلاف من اللاجئين، الذين أتى غالبيتهم من سوريا والعراق وأفغانستان. كان هناك اهتمام ضخم بالأفلام العربية وفيلم آخر اسمه فوكوماري” للمخرج الإيطالي الوثائقي جيان فرانكو روسي، حيث نافس الفيلم الذي يحكي قصة اللاجئين الذين وصلوا حديثا والسكان المحليين على جزيرة لامبيدوزا اليونانية، بقوة أمام لجنة التحكيم الدولية في برلين، من أجل الفوز بالدب الذهبي، الجائزة الرئيسية في المهرجان. وقد أرسل مهرجان برلين في الوقت الذي تخوض فيه ألمانيا نقاشات حول سياسة الهجرة التي ستتبناها في المستقبل، رسالته الخاصة من خلال العديد من الأنشطة التي عبرت عن التضامن مع اللاجئين وأفلام قوية تبقي على الأمل في أن التغيير الإيجابي في المنطقة على قيد الحياة.

 

*مؤرخ ألماني، المدير السابق لمكتب مؤسسة هاينريش بول في رام الله-فلسطين. يقيم حاليًا ويعمل كاتبًا في برلين.

ترجمة: حسناء عبد الواحد.

فلسطيني يبدأ بإنتاج الجبنة العكاوية في ألمانيا

عبد الله غباش: لو أتيت كعازف كمان أو بيانو لما انتبه أحد لي!