in

” اشتباك ” ثمانية أمتار من الخوف

رند صبّاغ – برلين

لم يحتج “محمد دياب” مخرج الفيلم المصري ” اشتباك ” إلى أكثر من ثمانية أمتار ليشد جمهوره طوال 97 دقيقة في حالة من التشويق المتواصل.

في محاولةٍ منه لإبراز أهم لحظات الاستقطاب السياسي الذي عاشته مصر عقب انقلاب 30 حزيران/يونيو 2013، فلا تخرج عدسة المخرج من هذا الحيز الخانق إلا في بعض المشاهد القصيرة التي تعكس صورًا من الشارع المنتفض.

تتراكم الشخصيات بشكل تلقائي، ويتضح بناؤها شيئًا فشيئًا، فلا يعرض الفيلم وجهة نظرٍ سياسية، ولا يتخذ أي موقف حيال الأحداث الجارية – وهو ما قد يؤخذ على المخرج أيضًا-  بل يأخذنا ضمن حالةٍ من الكلاستروفوبيا (رهاب الاحتجاز) لنكتشف مكامن أبطاله المختلفين، سواءً في مواقفهم أو في انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والعمرية وغيرها، والذي يتم اعتقالهم تباعًا بشكل عشوائي من المظاهرات في شوارع القاهرة من قبل قوات الأمن المصرية، ووضعهم في شاحنة ترحيل تابعة للشرطة، ليتوازى الحدث في الشاحنة مع الأحداث المتصاعدة في الخارج.

يجتمع المؤيدون للانقلاب والعسكر ومناصرو الإخوان بالإضافة إلى بعض الأشخاص الذين تم توقيفهم دون سبب في هذه الأمتار الثمانية، لتبدأ التحالفات والمماحكات، وتحول في بعض اللحظات إلى صداماتٍ حقيقية، ما تلبث أن تتغير وتيرتها كلما احتدت الأمور في الخارج، لتراها تعود لخلق مهادناتٍ يحكمها الهدف الواحد وهو الخروج من هذه الشاحنة، والتي تغلب على أي نقاشٍ جادٍ أو سياسي لم يعمل المخرج على إظهاره بشكلٍ حقيقي بما يتجاوز بعض المهاترات والاتهامات المتبادلة والتي تتصعد في بعض الأحيان لتصل حد العراك بالأيدي.

ومع غياب الموسيقا التصويرية بشكل كاملٍ تقريبًا، يأخذنا الفيلم إلى لحظاتٍ أكثر إنسانية باستخدام الأصوات والمؤثرات الطبيعية، والتي قد تجعل المشاهد في بعض الأحيان يعتقد نفسه مستعرضًا لقصة واقعية أو فيلم وثائقي أكثر من كونه عملاً روائيًا.

وكان المخرج قد طرح في أكثر من مقابلة ومناسبة رغبته في توصيف أحداث الفيلم بأنها تتناول مسألة “التعايش” والذي ربما يراه من خلال بعض المواقف التي كان من شأنها أنسنة الصراع، وإيجاد العوامل المشتركة القادرة على جمع المصريين، حيث تتحد الصفوف بين مختلف المعتقلين في بعض اللقطات، مثل ضرورة اتخاذهم لمواقف محددة، أو تكاتفهم لمساعدة الفتاة الإخوانية المراهقة لقضاء حاجتها، محاولاً إظهار النخوة المصرية عند الشدائد، إلا أنه يبرز رجل الشرطة المصري بشكلٍ مخفف ولطيف، لا يعكس ضراوة الموقف في حقيقة الأمر، والعنف الذي شهده المدنيون في تلك المرحلة.

الفيلم الحائز على ثمانية جوائز عالمية بالإضافة لترشيحه للمزيد، استطاع رصد الجنون والعنف والرومانسية مع حسٍ مصريٍ فكاهيٍ لا بد منه في بعض المشاهد، ليمتلك حواس جمهوره بشكل كاملٍ في ترقبهم لتطور الأحداث، وبنائه للعلاقة الإنسانية مع الشخصيات بتجردٍ عن مواقفهم السياسية.

ربما كان هذا الفيلم قفزة حقيقية في صناعة الأفلام المصرية، وتطورًا واضحًا في السينما التي انحدرت في العقود الأخيرة باتجاه الأفلام التجارية، فيقدم “اشتباك” فيلمًا متكاملاً سواءً من التصوير أو من خلال التقنيات السينمائية، بالإضافة إلى الأداء المميز للممثلين.

“اشتباك” من إخراج “محمد دياب”، و”كريم الشناوي” – مخرج منفذ-، ومن تأليف شقيق المخرج “خالد دياب”، وبطولة “نيللي كريم، طارق عبد العزيز، هاني عادل، أحمد داش، احمد مالك..”.

حزب ميركل يحقق انتصارًا كبيرًا في انتخابات محلية تشكل اختبارًا للمعركة التشريعية المقبلة

رحلة مع العصافير والمباني في برلين