in

وهم تفوق؟ أم مجرد صعوبات لغة؟

ضحى الفياض – كاتبة سورية مقيمة في ألمانيا

في بداية عام 2012 كنت أجلس مع بعض أساتذتي في الجامعة، نناقش أموراً علمية متنوعة، لا أنكر أن الحديث تطرق للأدب بين الفينة والأخرى فالأدب يجد طريقه إلى كل حديث أبدأه أويبدأني، وفي نهاية المطاف قال لي البروفسور:
ـ ضحى.. أديه عمرك؟
ـ 22 سنة

ـ بعد 6 سنين، رح تكوني معنا ومعك دكتوراة! اطلعي ع ألمانيا ادرسي، ألمانيا البلد الأول ع مستوى العالم بمجال الهندسة!

تلك الجملة تركت عندي حافزًا قوياً وإحساساً بالمسؤولية، مسؤولية العمل وأهمية إعطاء العلم للأجيال القادمة، هذه الجملة ذكرتني بكل ما أقسمت به عائلتي لدعم التعليم والتعلم على مدى أجيال، وبذلك الحلم الجميل قدمت إلى ألمانيا في آخر سنة 2014، كطالب لغة يريد أن يتشرب اللغة في ثلاثة أشهر فقط، وبالفعل كان نجاحي في اللغة دليلاً قاطعاً على أنني الشخص المناسب في المكان المناسب!

بدأت دراستي الجامعية في نيسان من عام 2015، وكانت البداية صعبة كما كان متوقعاً، ولكنني صدمت بحجار الشاطئ على رأسي! هل من الممكن أنني أجهل هذا الكم الهائل من المعلومات؟ لم تكن الصعوبات تتلخص بصعوبات اللغة فقط، فهناك صعوبات لا تعد ولا تحصى، التعامل مع كل هذا التطور الالكتروني، مع كهرباء دائمة لا تستريح ساعات للتقنين، مع ما يسمى “أوبال”، مع إيميل خاص بي أنشأته الجامعة لي، مع الابتعاد عن كل ما يعكر صفو الطالب من ترهات التنافس على المركز الأول، فلا مركز أول في ألمانيا، كل منا يختص بقسم محدد ويحتل المركز الأول فيه، عدا عن صعوبات إيجاد قاعات المحاضرات في جامعة تمتد على مساحة نصف المدينة، وكذلك ألم الحرية المرافق لفكرة “بإمكانك اختيار العديد من المواد لدراستها”، آه.. كم كانت مؤلمة هذه الصدمة مع حرية التعليم وسعيه للتعلم الذاتي بدلاً من التعليم بالتلقين! 

لا أنكر بأنني قضيت أكثر من سنة ونصف خائفة من السؤال، خائفة من طرح أسئلة يدرك الكل إجابتها عداي، لربما كان البروفسور قد تطرق للفكرة قبل قليل ولكنني لم أفهم، الأفضل ألا أسأل!

هناك صعوبات بسيطة يمكنها أن تترك أثراً كبيراً في نفسية الطالب، ولكنني لن أعطيها صفة السلبية أو الإيجابية، وسأترك لك حرية القرار عليها اعتماداً على تصورك لشخصية المعلم في بالك، لربما كان المعلم بالنسبة لك مجرد ملقن، ولكنه لم يكن يوماً مجرد ملقن بالنسبة لي، وهنا نشأت إحدى أكبر مشاكلي، فمع ازدياد خوفي من سؤال مدرسيّ تطورت طريقة دراستي لتصبح عصرية تتماشى مع زمن اليوتيوب، والذي قاد إلى تراجع حس التعلم الفكري من البروفسور، ولم أنهل من أي منهم شيئاً يفيدني على المستوى الشخصي والنفسي، فعلى من يقع اللوم في هذا الانقطاع التربوي في نفسية الطالب الأجنبي الذي تحول إلى آلة تحفظ الكلمات الجديدة وتصبها على ورقة الامتحان، لينتهي المطاف بعلامة لا تتجاوز الثلاثة!

هذا وأكثر.. جعل مني حبيسة سؤال بسيط، هل كان تفوقي الدراسي في سوريا وهماً؟ أم أن ما عانيته في ألمانيا ناتج عن اختيار خاطئ للجامعة، او للفرع أو لمجرد أنها صعوبات الدراسة بلغة جديدة؟ أم هي ناتجة عن جهلي بالنظام التعليمي؟ أسئلة كثيرة واحتمالات أكثر، انتهى بها المطاف جميعاً للصمت أمام اللحظة التي أعلن فيها المشرف عليّ بأني اليوم أصبحت مهندس بدرجة الماستر.. كانت لحظة جميلة، قطعتها علي صدمة أن جامعتي لا تحتفل بالخريجين من جهة، ولا تعطيهم لباساً موحداً، ومن جهة ثانية بأنني كنت وحيدة، وهذا ما عزز شعوراً بأن النجاح لم يكن ذا معنى.. وعدت لدوامة الاحتمالات والتساؤلات التي تتلخص بالسؤال التالي:” هل لدي وهم تفوق ؟ أم أنها مجرد صعوبات لغة؟” ..

إقرأ/ي أيضاً:

من ألمانيا إلى دويتشلاند.. هل تشبه هذه البلاد ما كنت تتخيله عنها؟

ألمانيا… وطن بديل

هل يكون المصير المأساوي المنتظر للاجئين هو “سرير بروكرست”؟

لاجئون وأكثر

نيمار جونيور… مكروه الجماهير محبوب المكاتب

التنمر في البيئات التربوية … ظاهرة في كل مكان