in

وعن الغضب

بشرى قشمر

اللوحة للفنان السوري عبد الرزاق شبلوط
اللوحة للفنان السوري عبد الرزاق شبلوط

الحمامة على الحافّة، نظرت إليّ ولم تفهم! أجفلها ما لا تعرفه فصاحت بذعرٍ وفرّت نحو الأسفل، كان الحمام يحبني ويهدأ حين أنظر إليه يا ناجي وأنت تفهم ذلك، أرأيتَ من أصبحتُ الآن؟ اخرج من داخلي ولو قليلاً، وكن ندًّا، سأحاكمك طويلاً ولن أحكم عليك إلا بما تشاء، دعني أراك.

لعبةُ المجاز الحقيرة الخطيرة! لماذا؟ وأنت تعلم جيّدًا كيف يحرقني العبث بالتفاصيل المُصاغة جيّدًا، انظر إلى هذه الفوضى! أنت من تسبب بها.

ألم نتفق أن التوثيق لك والحكايا لي؟ وأن نحبس المجازَ داخل الأوراق، لماذا تركتهُ يُغرق كلّ شيء، أنت من فعل ذلك قاصدًا، كيف لا وقد اخترتَ البداية والنهاية، وأكثرتَ من الوصايا والوعود، وحذّرتَ وأسهبت ووزّعت النذورَ هنا وهناك، وحملتَ وردةً وهميّةً بين أصابعك تشمّها مجازًا وتُقدّمها وتلقي بنظرةٍ جديدةٍ عليّ، حتى أنني سألت بحرًا وأنا أحترق غيرةً “إلى من كان ينظر هذه المرّة؟ من كان خلف العدسة، خلف الشِباك؟”، يكاد يقسم بحر أنّ نشوان هو من قام بالتقاطك، وأكاد أشعر أنّكما كعادتكما تتغامزان ضاحكين، وأغفر لكما سريعًا لأنني منشغلةٌ جدًا هذه الفترة، فلديّ واجب تنظيف وجوه الغياب وترتيبها بشكلٍ يوميٍّ ومنتظم، هذه لقطةٌ واحدةٌ فحسب، ماذا أفعل بآلاف الصور؟ أرأيت؟ سيلٌ من السكّر والغوايات القاتلة والمنكهات القوية والدماء والمدن التي لا تشبه بعضها ولو حاولنا سحقها على أسمائها في الذاكرة عمدًا، وكلُّ ما لا تفضِّله ولا تصنعهُ أنت في العادة، أغرقتني به؛ فيما تحمل الآن فنجانك الكبير غير المحلّى فقط، وتراقب مبتسمًا، ألا تشعر بأنك قسوتَ عليّ؟ وهل أعددت خطةّ للتراجع عن كلّ ذلك؟ إن لم تكن قد فعلت، عليك أن تعود الآن للاعتذار على الأقل، أو لسحب المجاز من كلّ الأغنيات وتجلّياتك، لن أقبل بغير ذلك.

وعلى ذكر الأغنيات ماذا عنها؟ متى سأجرؤ على سماع أيٍّ منها؟ ماذا سأفعل حينها وأنت الأسمر الحبيب الهاجر، والغائب الحاضر الجميل الضاحك الحرّ الشهيد.. هل أتابع؟.

أقول لك؟ أتعلم؟ انتبه لو سمحت، فأنا أهمّ بأن أقول لك شيئًا خطيرًا! لماذا لا تلتفت؟ الوقت يمرّ وأنا بدأت أقلق، سأعطيكَ بعض الأمثلة عن ذلك:

مثلاً، مضى شهران، لم يذكر فيهما أيّ أحدٍ كلمة “أرملة”، وأنا كنت منشغلةً بأمورٍ أخرى فلم أنتبه، الآن انتبهت قبل أن ينطق بها أحدهم أمامي، كيف سنحلّ هذه المشكلة؟ أعرف كيف ستحلُّها أنت:

-“من قال إنَّ الرصاص يلغي الوعود!”

أرأيت؟ المزيد من المجاز..

مثالٌ آخر؛ مرّت دقائق لم أكن فيها أتحدث عنك أو إليك أو أنتظر دخولك، اعذرني، كنت أبحث عنك بين أشيائك، وأنت لا تتوقف عن التغيّر كلّ لحظة، ماذا أفعل؟ لم تتحوّل إلى ماضٍ ولم تغادر مهامّك اليومية ولم تتراجع عن العناد.

حذارِ أن تذكر شيئًا عن “الحياة”، اصمت أرجوك، دخلت في العبث الآن، أنت تحب إشعال النار ثم الفرجة عليها وهي تتقد، نعم؛ أنا أشير إلى أحد طباعك التي أرهقتني، اللعب والعبث، انظر داخلي، ودعك من الفحم الصناعيّ، لقد أفلحت، وخلّفتَ على ملامحي مفرداتٍ أتعبتني مؤخرًا، ثانيها “الصبر”! على ماذا وإلى متى طالما لم تخبرني عن مواعيد العودة. القوة؟ لا أحتاجها، ماذا أفعل بها؟ وإذا امتلكت كلّ أنواع القوى وأخطرها، هل سأحصل على دفقةٍ من الطاقة تعيدك لي ولو لبضع دقائق؟ أرأيت؟ لكن لو أنك قلتَ شيئًا عن التعالي على الجراح، ربما كنت سأفكر بالأمر، وحذار أن تقول شيئًا عن “الفرح” فالمؤمن “لا يُلدغ من فرحٍ مرتين”، هلّ اتضح لك المجاز؟ هل قلتَ شيئًا؟ لم أسمعك جيدًا، كنت منشغلةً بتحديد لحظة مغادرتك، أحاول الإمساك بها لعلّي أجد مفتاحًا معلّقًا بها فأدخل حيث أنت، سأجده.

والآن أعِد عليّ ما قلتَه قبل قليل، سأسمعك جيدًا هذه المرة، وسأتجاهل ما يقولونه عن أحداثٍ جرت قبل فترةٍ في مدينةٍ أخرى لا أكاد أتذكر اسمها، ولا أعرف تحديداً أين كان منزلنا فيها وأيُّ دفءٍ أحاط بطفلتينا هناك، وكي لا أرهقهم سأجاريهم جميعًا وسأستخدم كلمة “كان” وسأدّعي أني لا أعرف أين أنت أو أنّك ما زلت، سيشعرهم الأمر بالاطمئنان، ولنا سرنا.

والآن أخبرني، مالذي قاله لك الموت؟ مالذي وشت لك به الرصاصة؟ قلت لي سابقًا الكثير عن الموت والرصاص والبيادر، أشعر بأنني حمقاء للغاية، لم يكن عليك فعل المزيد، شكرًا!

لا أقصد إرهاقك، تستطيع الانصراف إلى ما تفعله (المهنة التي لا أجد لها اسمًا)، أنا فقط أحتاج إلى بضع كلماتٍ منك تهدّئني، سنؤجّل الحديث إلى الغد إن شئت، فقط قُلها، (وأنا أحبّكِ أكثر).

أردت فقط أن أخبرك بأنني لم أتحدّث عن الغضب بعد.

مواطنة ألمانية: شكرًا لقدومكم إلى ألمانيا!

خسر عينه في سوريا، وربح جائزة أفضل عمل مسرحي في الدول الناطقة بالألمانية!