in

ملاكٌ من “السماء فوق برلين”: ألمانيا تودع أحد عمالقة المسرح والسينما برونو غانز Bruno Ganz

محمد عبيدو

تُوفي الممثل السويسري برونو غانز، يوم السبت 16 فبراير 2019 في منزلة في زيوريخ، عن عمر ناهز 77 عاماً. وُلد غانز وترعرع في زيوريخ، أبوه كان عاملاً سويسرياً وأمه فلاحة إيطالية. ثم انتقل العام 1961، وهو في العشرين من عمره، إلى ألمانيا، حيث تألق كأحد عمالقة المسرح الناطق باللغة الألمانية.

لمع اسمه بين أبرز شخصيات السينما الألمانية الجديدة المحمّلة بالقضايا السياسية والفكرية والإنسانية. ولكن وعلى الرغم من ابتعاده عن بلاده لأكثر من 50 عاماً، إلا أنه احتفظ بعلاقة وثيقة معها، وشارك في بعض الأعمال السويسرية الصغيرة، حيث قامت سويسرا بتكريمه بمنحه الجائزة الفخرية للسينما السويسرية.

ترك برونو غانْز، صاحب النبرة الصوتية الفريدة والحضور المُميز على الشاشة الفضية، بصمته على السينما الأوروبية، سواء بأداء دور ملَك أو صحفي أو ديكتاتور. واشتهر بأدوار مسرحية وسينمائية اشتغل عليها بشكل لافت، بينها دوره في فيلم “السقوط” “لأوليفر هيرشبيغل عام 2004، حيث أدى دور الزعيم النازي “أدولف هتلر”، وشخصية “فيرناندو غيرازول” في فيلم “بريد أند توليبس” عام 2000 الذي أهّله للحصول على الجائزة السويسرية عن أفضل أداء في العام 2001.

ولا ننسى دوره كملاك فوق برلين بفيلم “السماء فوق برلين/ أجنحة الرغبة” العام 1987 ـمن إخراج “فيم فيندرز”، وهو يجوب شوارع هامبورغ في فيلم “الصديق الأمريكي” من إخراج فيندرز 1977، وبحار يبحث عن الحرية في فيلم “في المدينة البيضاء” 1983 للمخرج “آلان تانّير”، وكان فيلمه الأخير “المنزل الذي بناه جاك” مع المخرج الدنماركي “لارس فون ترير”.

اشتهر فيلمه “السقوط” Der Untergang لأهمية القصة الدقيقة التي تروى لأول مرة لتكشف حقيقة ما جرى في الساعات الأخيرة للعاصمة الألمانية وللجسم الحاكم. ونهاية “أدولف هتلر” وحكمه النازي. حيث تتشكل صورة عالم آيل للسقوط باستثناء إيمان أفراده العميق بتأثير هتلر.

لقطة من فيلم “السقوط – Der Untergang”

أياً يكن، فإن “السقوط” أسقط جدار الخوف من المقاربة المختلفة والمعاينة السوية والموضوعية لهتلر ولنظامه النازي، حين جسد “برونو غانز” باشتغال تمثيلي قوي وحضور بارع شخصية “أدولف هتلر” إنساناً له حسناته وسيئاته: يغضب بعنف، يؤنّب جنرالاته، يشتم شعبه، ويحقد على “الخونة”، وهم كثر بالنسبة إليه، لأن كل من يخالف تعليماته يُصبح خائناً يتوجّب إعدامه. في المقابل، يُظهر شيئاً من العطف والإنسانية في علاقاته ببعض المقرّبين منه: سكرتيرات، حرّاس، أولاد غوبلز، إيفا براون.

يقول المخرج السويسري “نوربير فيدمر”، الذي أخرج فيلمين وثائقيين عن “برونو غانز” ومعه: “إنه رجل منكمش، وبالأحرى انطوائي، ويحتاج لأن يُخصّص له وقت كثير”، وبالفعل، قام لدى إخراجه لشريط “خلفي” بمتابعة الممثل السويسري لمدة ثلاث سنوات. أما عن الاستعدادات لإخراج النسخة الكاملة من “فاوست”، وهو ماراثون مسرحي استمر على مدى 22 ساعة، فيقول: “أعجبني جداً انضباطه ومهارته التنظيمية، ذلك أن حفظ نص طوله ثلاث ساعات شيء لا يُصدّق، إنه فعلا رجل محترف.

تزوج غانز مرة واحدة وانفصل عن زوجته التي أنجب منها ولداً، وكان يعيش بين زيوريخ وبرلين وفينيسيا. وفي تغريدة تأبينية، كتب وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس”: رحل أحد أهم ممثلي عصرنا… ستظل أعماله باقية. نتقدّم بالعزاء لأسرة وأصدقاء برونو غآنز.

 

اقرأ/ي أيضاً للكاتب:

حوار مع المخرجة العراقية الكوستاريكية “عشتار ياسين” حول فيلمها الأخير: “فريدتان” لم أرغب بنسخ سيرة حياة بل خليط الذكريات

السينما الألمانية: معالجات جريئة للواقع والتاريخ ج1

السينما الألمانية: معالجات جريئة للواقع والتاريخ ج2

ريال مدريد نهاية تراجيدية لحكاية 1000 يوم

هل تقوم مواقع تزويج اللاجئين فعلاً بأداء وظيقتها أم أنها مجرد خدعة أخرى؟