in

مرايا الجنرال، رواية عن اللوثة القابعة في الأعماق البشرية

أميرة الحلبي- عند قراءة مرايا الجنرال للكاتب المغربي طارق بكاري عن دار الآداب 2017، تسمع أصواتاً عديدة لشخصيات تتبادل الرسائل في مابينها، لكن سرعان مايستدعي انتباهك صوته -صوت الجنرال- صوتٌ قوي قادمٌ من العدم كما يقول. فلا ذاكرة لديه ولا عائلة، كل ماهناك لحظة ركوبه السفينة الحربية المتجهة من مرسليا إلى المغرب العربي (إلى ليكسوس) ليستلم منصبه الجديد، جنرال المدينة .

قاسم جلال الذي ادفأت قلبه البارد رؤية جواهر حين لوحت بشالها لحبيبها (سيمون) معلنةً عن وصول رحلتها إلى ميناء الدار البيضاء بعد غياب قسري دام عامان . جنرالنا هذا يسرد قصته بالرجوع بالزمن أكثر من عشرين عام بناءًا على رغبة معالجته النفسية، شاكياً من فصام حاد بالشخصية وهاوية عميقة بالذاكرة فيقول (كنت فاقداً لكل شئ، أحمل بين جدران جمجمتي ذاكرة بتولاً تتصل بحاضرها فقط، لا أذكر أنني كنت صبياً أو كان لي أهل أو أقرباء)، يتماهى قاسم مع جنرالات عالمنا العربي الذين ينتمون إلى زمن الحرب فقط، فلا تاريخ يردع ولا عمق حضاري ينقذ البلاد من آلة الدمار والحرب. يقول الجنرال الغازي (جئت أتأبط مشاريع صديد ودم، لا أدري متى ولا كيف كتبت في الذهن، مشاريع دموية، لم أملك بعد أن استمسكت بأزمة المدينة سوى الانصياع لها).

روايةٌ ترصد قدرة الجنرال اللامحدودة على تحطيم الإنسان والأرض وتوسيع أقبية السجون، انهيار قيمة الإنسان وسهولة قمعها، سقوط حصانة حرية الإنسان أمام زوبعة الجنرال. تقع أحداث الرواية في فضاء مدينة ليكسوس ليصل مداها إلى مدننا العربية، لشخوص دون الجنرال تحاكي البحث عن حياة أفضل بالنضال السلمي والمظاهرات لتواجَه بأقصى عدة وعتاد. ليأتينا من هناك الفتى سيمون الشاب اليهودي الماركسي الهوى والهوية، الذي أنهكت روحه أقبية السجون وأزلام النظام، هذا الشاب الذي يعبر عن انهيار اليسار في سبعينيات القرن وانتكاسة جيل مشبع بأحلام التغير دون الاعتماد على القوة والتسلح في مواجهة الجنرال. ترصد الرواية العلاقة الجدلية القائمة على العنف بين المثقف والسياسي وبين الجنرال، العلاقة القائمة على الغيرة الضمنية من الثائر ، صاحب الارض، فيعبر المؤلف بلسان الجنرال قائلاً (كان سيمون قبل أن يتبدد كرذاذ النور في سماء تلك المدينة، رجلاً حقيقياً لا أملك إلا أن أحسده، كان مؤمناً قوياً بما يحمل في رأسه من أفكار، ولَم أكن مثله، كان يضرب جذوره في هذه المدينة وينتمي إلى ترابها … أما أنا، فقط أخذتها اغتصاباً).

تحمل الرواية بين طياتها عوالم نفسية تبحث عن أصول الشر والخطيئة، عن اللوثة القابعة في الأعماق البشرية، وعن ذهاب الإنسان بالأخلاق إلى أبعد نقطة من الشر النائم، تتحدث عن خطايا الجسد التي أوقعت (جواهر) بين يدي الجنرال . جواهر الصوت الأنثوي الباحث عن الحياة، ولذة الجسد، العائد من منفاه فرنسا، المتعب من النضال. رواية رمزية بأبطالها، تحاكي الحب والسياسة والحرب في واقع يشبه واقعنا، وترصد بجدارة تبعية الجنرال لأجندات خارجية، ولكن لابد من الانقلاب عليه عند انتهاء دوره ومحاكمته، إنها مرايا الجنرال ومحاولة البحث عن جسد يناسب الوحش القابع بالأعماق.

مهرجان فنون 2017، أيام فنية سورية في مدينة بريمن الألمانية

رأي في الانتخابات الألمانية