in

“ما سوف يبقى” للشاعر عيسى مخلوف: شعرية الأمل والتفاؤل

غلاف كتاب الشاعر عيسى مخلوف
غلاف كتاب الشاعر عيسى مخلوف

عماد الدين موسى. كاتب من سوريا
يبلغ الاقتصاد اللغوي والتكثيف ذروته في قصيدة الشاعر اللبناني عيسى مخلوف ؛ ثمّة لغة هادئة ورقيقة أكثر ممّا ينبغي، فيما جملته تأتي غايةً في المتانة والسبك وسلسة أيضاً.

مجموعة عيسى مخلوف الشعرية الجديدة “ما سوف يبقى”، الصادرة عن دار التنوير (بيروت 2019)، تمثّل هذا الاتجاه، حيث تأخذ كل قصيدة من قصائد مجموعته هذه مساحة صفحة واحدة أو أقل، وغالباً تكون عبارة عن بضعة أبيات/ أسطر لا أكثر. يقول: “لم يكن ثمّة ما يشير إلى أنّنا غرباء/ كنّا نسير مع غيرنا في الشّارع/ ومع ذلك عرفونا./ كنّا نهرول خائفين/ كنقاط ماءٍ تدلف من السّطوح./ ربّما رأوا في عيوننا/ أولئك الّذين كانوا معنا/ وغرقوا”.

عدسة الشّعر

يُنظر إلى قصيدة عيسى مخلوف (من مواليد بيروت ١٩٥٥)، باعتبارها قطعة فنّية فريدة، تنفتح على الفنون الإبداعيّة الأخرى وبمنتهى الحميميّة والرويّة والإتقان، حيث نلحظ أن تقنيّات جماليّة عديدة يتم توظيفها، سيما تقنيّة الكاميرا أو ما يسمّى بعدسة الشّعر ببعديها القريب والبعيد، ويكاد أنْ يكون العنوان الأبرز لقصيدته، سواء من جهة توق الشاعر إلى إدخال مفرداتٍ شفيفةٍ إلى متنها، أو من حيث العناية بالمشهديّة والوصف والتأمّل الهادئ في الطبيعة ومناظرها، وتحديداً تلك الطبيعة الصامتة ومن ثمّ تحويرها إلى لوحةٍ شعريّة. يقول: “أعرف كيف ستكون النّهاية/ كيف ينتهي كلّ شيء في رتابة الفصول/ الكأس التي تلامس الشّفاه تصل إلى نهايتها/ وتنتهي الشفاه/ الصّوت الذي يخبو فجأةً/ ينحلّ في الهواء/ تاركاً في الصمت/ دوائر/ تكبر وتتسّع”.

إثارة الأسئلة القلقة

“لا أدري لماذا لم يغادر الشعراء بعد/ مع الطيور المغادرة!”، هذا السؤال الوجودي وأسئلة اخرى كثيرة يضعها الشاعر بين جنبات قصائد مجموعته هذه، حيث يقول في مكانٍ آخر: “أرأيت ذلك الطائر الخافق الجناح/ في محاذاة الجدار/ يلامسه بجناحه الأيمن تارةً/ وبالأيسر أخرى/ الطائر المنهك الذي يسعى/ إلى اختراق الجدار؟”، أسئلةٌ يطرحها الشاعر ومن ثم يتركها هكذا دون إجابةٍ، طالما أنّ الشّعر في أحد أبرز وجوهه عبارة عن إثارة أسئلةٍ وجودية قلقة. فيما نجد أنّ معظم القصائد تذخر بتلك الثنائيات المتضادة من “موت” و”حياة” إلى “وجود” و”عدم” ومن ثم “حضور” و”غياب”، وصولاً إلى “الغرق” و”النجاة”؛ ثنائيات متناقضة وغير متناقضة أو محبّبة وفي الآن معاً، لكأنّ إحداها تتمّم الأخرى، ولا معنى لهذه دون تلك. يقول: “العيون الغريبة حولنا تجعلنا غرباء/ والمسافة التي تفصل بين القلوب/ آثار وداعاتٍ غامضة/ هنا، كلّ شيء يغرق/ حتى الجبال”.

الأمواج الآتية

مجموعة “ما سوف يبقى”، والتي جاءتْ في مائة واثنتي عشر صفحةً من القطع المتوسط، الإصدار العاشر في رصيد عيسى مخلوف الأدبي، إذ سبق له وأصدر الكتب الأدبيّة التالية: “نجمة أمام الموت أبطأت” (بيروت 1981)، “عزلة الذهب” (بيروت 1992)، “هيامات” (باريس 1993)، “عين السراب” (بيروت 2000)، “رسالة إلى الأختين” (بيروت 2004)، “مدينة في السماء” (باريس 2014)، “نامت أحلامهم وتأرجحت على الموج” (باريس 2016)، “أمواج” (باريس 2018)، و”أقنعة الغربة” (طليطلة 2018)؛ بالإضافة إلى دراسات نقديّة عدّة، نذكر منها: “بيروت أو الافتتان بالموت” (باريس 1988)، “الأحلام المشرقية/ بورخس في متاهات ألف ليلة وليلة” (بيروت 1996)، و”تفّاحة الفردوس/ تساؤلات حول الثقافة المعاصرة” (بيروت 2006).

“الأمواج الآتية من أعماق المحيطات/ ستتلاشى كلها/ إلا موجة واحدة ستظلّ تصعد/ أمام ناظريك/ إلى ما لا نهاية”.. يقول الشاعر.

الكتاب: ما سوف يبقى- شعر
المؤلف: عيسى مخلوف- لبنان
الناشر: دار التنوير– بيروت 2019
الصفحات: 112 صفحة
القطع: المتوسط

اقرأ/ي أيضاً:

“لستَ وحيداً” لعارف حمزة: القصيدةُ بوصفها قارب النجاة الوحيد

“كُنْ بريئاً كذئب” تقديس الحُبّ في كتاب ريم نجمي

عدد اللاجئين في ألمانيا

غالبيتهم من السوريين.. عدد اللاجئين في ألمانيا يقارب المليونين

اضطراب الشخصية النرجسية

اضطراب الشخصية النرجسية.. أنواعه وصفات الأشخاص المصابين به