in

سنغافورة من العالم الثالث إلى الأول

أحمد يحيى محمد*

“سنغافورة من العالم الثالث إلى الأول” مذكرات لي كوان يو. قرأتُ هذه المذكّرات لأفهم كيف لدويلةٍ صغيرةٍ ناشئةٍ، أن تتحوّل إلى دولةٍ اقتصادها من أقوى اقتصادات العالم؟ فهي الآن، رابع أهم مركزٍ ماليٍّ في العالم، ويعدّ مرفأ سنغافورة، خامس مرفأٍ في العالم من ناحية النشاط، بل إنّ جواز السفر السنغافوري، بات يتربّع على عرش أقوى وأفضل جوازات السفر على مستوى العالم، حسب آخر التصنيفات.

لي كوان يو -صاحب هذه المذكّرات، وأول رئيس وزراء لسنغافورة بعد الاستقلال- يعود له الفضل في هذه النهضة، إذ وضع الأسس والاستراتيجيات لسنغافورة الحديثة.

لا تتجاوز مساحة سنغافورة 710 كم2، أي لاتساوي عُشر مساحة لبنان، وأهلها لا ينتمون إلى قوميةٍ واحدةٍ، بل هم خليطٌ من صينيّين وملايويين وهنود وآسيويين من ثقافاتٍ مختلفة، وهذا يعني أنه ليس لديهم لغة واحدة مشتركة، وإنما أربع لغاتٍ رسمية ( الصينيّة، الملاوية، التاميلية، والإنكليزية). كما ليس فيها ديانةٌ واحدةٌ، بل يدينون بالبوذيّة والمسيحيّة والإسلام والطاوية والهندوسية وغيرها.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف لدويلةٍ صغيرةٍ، لا يجمع بين أفرادها عِرقٌ أو دينٌ أو لغةٌ، إنما الجغرافيا فقط، أن تصل إلى ما وصلت إليه؟

استعرض صاحب المذكّرات معظم الصعوبات التي اعترضت طريقهم، بدءاً من العلاقات المتوتّرة مع دول الجوار، إلى مشكلة اللغات واللهجات المتعدّدة، إلى العصبيّة العرقيّة، التي كانت بركاناً كامناً، يمكن أن ينفجر في أيّ لحظةٍ، إلى الأديان المتعدّدة والخلافات الدينية، وليس انتهاءً بالمعضلة الاقتصادية، في ظلّ انعدامٍ شبه تامٍّ للموارد الطبيعية، وبمنتهى الاختصار، لم تكن الطريق معبّدةً أمام السنغافوريين، ولم تكن مزروعةً بالأشواك فحسب، بل كانت مزروعةً بالألغام، ولكن يمكن القول: إنّ عدالة الحكومة، ووقوفها على مسافةٍ واحدةٍ من المكوّنات الداخلية لسنغافورة، والتعالي على جميع المصالح الدونيّة والذاتية، بالإضافة إلى التسامح والحكمة، التي أبدتها الحكومة في كثيرٍ من المواقف العصيبة، والتي كان يمكن أن تؤدّي أيُّ واحدةٍ منها إلى زلزالٍ يدمّر سنغافورة، ناهيك عن ممارسة الديمقراطية بأرقى أشكالها، حيث لم يتمسّك (لي كوان  يو) بالسُّلطة رغم فضله في وصول سنغافورة إلى المراكز المتقدّمة عالمياً على جميع الأصعدة.

وما يلفت الانتباه؛ العنايةُ الخاصّة التي أولاها للتعليم، من خلال إرسال أعدادٍ كبيرةٍ من الطلاب للدراسة في أهم جامعات العالم، ثم العودة بما تعلّموا إلى جامعاتهم الأم، وبذلك أصبح خريجو الجامعات السنغافورية يتمتّعون بكفاءاتٍ عاليةٍ، مما انعكس إيجاباً على جميع الأصعدة في سنغافورة.

سنغافورة عانت في بداياتها من انتشار الفساد والرشوة في مؤسسات الدولة، وواجهت كل المشاكل التي نواجهها الآن في شرقنا المريض، ولكّن حكومةً واحدة نزيهة تمكّنت من تغيير عقليّة شعبٍ كاملٍ، والارتقاء به حضارياً، فهرَمٌ صالحٌ يمكن أن يبني قاعدةً صالحةً، ولا مستحيل أمام الإرادة.

أحمد يحيى محمد كاتب وباحث سوري مقيم في ألمانيا

اقرأ أيضا:

ملياردير جديد يظهر في آسيا كل 3 أيام

الصين كثيفة الإنتاج حتى بأصحاب المليارات

اسرائيل في رأس القائمة في نسبة الأسلحة إلى السكان

من دمشق