in

عسل غامق..

اللوحة للفنان حسكو حسكو


طلال بوخضر *

ينظّفون بيوتهم، قبل النّزوح.
وفي خيمة صحراويّة،
يجهّزون مربّى، للضّيوف، من الزّهر الشوكيّ.

*
القصفُ المستمرّ سيتوقّف، تقول أخبار الهُدَن،
هذا جيّد، سيرحل ضباب القذائف،
وبالعين المجرّدة، سيصير متاحًا، رؤية طوفان الجثث.

*
نهر القرية عاد للجريان،
لا أحد هناك.
لم يعد متاحًا أيضًا رؤية أجسادٍ جديدة تبلّل بالماء أقدامها،
كلّها قديمة، يتقدّم بها العمر كجثث.

*

الطبيعةُ دائمًا ستجدُ طريقًا:
زهرةٌ تنبتُ ببطءٍ في فم،
نحلةٌ تجمع الرّحيق.

*
شجرةُ بلّوط،
لا أحد يرى جمال خدوشها.

*
تموت جوعًا،
فوق صخرة،
بعّوضةُ مصّاصة للدّماء.
*

نبيذُ عتيق، طائرة هائلة،
في النافذة: رمال، خيامٌ بعيدة.
*

عجوزٌ فلّاح، يرى أعشابًا لا يعرفها.

*
التزلّج واللعب بكرات الثلج،
طفل عبر المذياع يحكي عن حبّه للشتاء،
طفلٌ في خيمةٍ ينصت.

*
هبوبٌ ناعمُ، للصّمت.
في الأعين،
هبوبٌ وحشيّ، للذكريات.
*

شاطئٌ لبحرٍ بعيد، الصحراء.

*
نُمسّد الهواء، في الظّلامِ، نرى باللمس،
نمسّد الهواء أثناء القصف، نرى بالتراب.

*
حبوبُ نجومٍ تضيء حبوب رمل.

*
لم يمت الجميع دفعة واحدة، مات بعضهم؛
مثل البعّوض،
يحتاجُ الحزن أجسادًا.

*
“نسينا خبزًا سقط على الأرض، لم نرفعه، سيعاقبنا الله”،
“صيفُ البداوةِ بارد، فهمتُ الآن ثيابهم”،
هرِمةٌ كبرت قرب شجرة، تُهَمهِمُ وحدها.

*
مشبعون بنصائح وكتيّبات إرشاديّة، عن تحديد النّسل.

*
لا تعرفُ أنّ لها ظلًّا،
في عمر الزّهور،
تقفزُ،
عمياء.
*

عراء،
كلّ الجهات نوافذٌ هائلة.

*
الطفل يتخيّل شكل تمثال الثلج الذي سيصنعه هو عندما يأتي الشتاء.

*

  • القطّة التي أصابها القنّاص كانت لتسلّينا الآن.
  • لم يصبها القنّاص، أكلها أحدهم.
  • ‏لا لا، انهارَ عليها السّقف أثناء قيلولة الظّهيرة.
    “حوارُ عائلةٍ سهرةَ عشاء”.

*

الدّم كلّه متخثّر،
غامقٌ،
عسلُ العام القادم.
*

طلال بوخضر – كاتب وشاعر سوري

إقرأ/ي أيضاً:

لا الوقت و لا الشجر و لا المجازات
أنوثة الشعر ج1- العصيان
حين يرنّ الهواء حولك من القسوة

زاوية يوميات مهاجرة 8 : ولادة

بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الكاتب الدكتور ابراهيم محمد