in ,

رائد وحش: لا يعبر الماء مرّتين إلّا الغرقى!

فادي جومر.

يتابع الشاعر الفلسطيني-السوري رائد وحش، خطّه النثريّ الذي انتهجه منذ بداية تجربته الشعرية المطبوعة الأولى في مجموعته: دم أبيض، الصادرة عام 2005 عن دار التكوين- دمشق، وتلته مجموعة: لا أحد يحلم كأحد، الصادرة ضمن منشورات احتفاليّة دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008، ومجموعة: عندما لم تقع الحرب، الصادرة عن دار كاف- عمّان عام 2012. مقدّمًا نتاجه الجديد، مجموعة: مشاة نلتقي.. مشاة نفترق، الصادرة عن دار المتوسط ميلانو.

في التجربة الجديدة، يظهر أثر الاغتراب أكثر جلاءً، وتبدو عين الشاعر مراقبة خارجيّة إلى حدّ ما، فهو يصطاد التفاصيل ليوصّفها، أكثر مما يعيشها، فالـ (أنا) قليلة الظهور مقارنة بالآخرين، قصصهم، لمحاتهم، ملامحهم، أحلامهم، وخيباتهم.

photo-23-11-2016-22-18-17

رائد وحش: الأرض منفى ولا سعادة فيها إلا للسياح

بين التكثيف الملخّص للحياة “الأرض منفى ولا سعادة فيها إلا للسياح” وبين الذهاب بعيدًا في التفاصيل “الطفلة مدفونة في ضريح من المكعبات الملونة” يتماهى الشاعر مع رحلة السوري من القصف إلى بلد اللجوء، ويكتبها لمحات تتناوب بين عالمين: الوطن والمنفى. معتمدًا على حكايا صاغتها إغماضة عين فكانت أحلامًا مرة، وكوابيس مرات أخرى.

قسّم الشاعر مجموعته إلى أربعة أقسام:

  • الشوارع تسير وحدها: بدت شخوص هذا القسم قدريّة، تقودها طرقاتها لا إرادتها، “عرفتُ أنا وصاحبي/ على طريق لا ينتهي/ أننا حين دفنّا ابن الريب/ دفنَنا في تلك القصيدة”. مع لمحات من الحكمة إن صحّ التعبير، لحقائق تعلمها الإنسان الممتد من القصف إلى اللجوء بأقسى طرق التعليم “لا يعبر الماء مرتين/ إلا الغرقى”.
  • بريد الغرباء: رسائل أقرب إلى البوح، تكاد تقول: لا أبالي إن وصلت أم لم أصل، كل ما أريده هو أن أُقال، أن أُكتب، أن أخرج من قيد الفكرة إلى حريّة الأوراق. فيكتب إلى ابنه الذي لم يأتِ بعد: “يا ولدي المنذور للموت/ انج بنفسكَ، عدْ نطفةً ليس على بالها الخلق”. وينهي رسائله كاتبًا عن حلمه: “كان حلمي أن أخرج الأصوات من قصبة/ لمجرّد أن يرقص الناس/ وحين فشلتُ ذهبتُ للكتابة كنوع من التعويض/ فالناس يسمّون العازف شاعرًا”.
  • من الغائبين إلى الغائبين: بحث عن ملامح لم يبقَ منها ما يدل على أصحابها، وأماكن لتلاقيهم “منذ غابوا/ لا مكان للقاء/ إلا المنام”. غرق في وجع الغياب، عسى أن نجد فيه تبريرًا للبقاء: “يريدونك أن تبقى حيًّا/ أن تصمد لسنوات تحت التعذيب/ لكي لا يموتوا يأسًا في انتظارك”.
  • مجرّد إيقاعات: أسئلة في عمق الموسيقى، الناظمة للحياة ربما، لسيرها ورتابتها وعبثيتها، وأصلها: “من صنع الربابة الأولى؟/ كيف خطرت على باله؟/ لتفهم ذلك الغريب/ فكّر/ ماذا تفعل حين لا يكفيك البكاء؟”. وتمتد الأسئلة إلى النهاية، لتضع لها ملامح من بقاء: “وداعًا/ لا أريد شيئًا/ سوى أن تجعلوا تابوتي ربابةً”.

بقي أن نذكر أن المجموعة صدرت ضمن سلسلة  تصدرها دار المتوسط باسم “براءات”، وهي مجموعة إصدارات خاصة بالشعر، والقصص القصيرة، والنصوص، أطلقتها الدار احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.

مهرب الألعاب من فنلندا إلى حلب

نحن بشر “عاديون”