in

الفراق الظالم بين شفتينا

الشاعرة الرومانية نينا كاسيان

ترجمة الخضر شودار.

بورتريه قصير جدا.  نينا كاسيان (رونيه آني ستيفانيسكو) شاعرة رومانية ولدت عام 1924 بمدينة غالاتي على ضفاف الدانوب. تعلمت العزف على البيانو في الصغر وناضلت في ما بعد في صفوف الشيوعيين وتزوجت عام 1943.

نشرت كاسيان أول كتاب شعري لها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية متأثرة بماكس جاكوب وأبولينير وكانت قد ترجمت لشعراء فرنسيين من قبل. تأثرت أيضا بمهاي إمينسكو وتودور آرغيزي ويون باربو واقتربت من الفولكلور الروماني. توقفت عن الكتابة الشعرية في منتصف الخمسينيات واتجهت إلى التأليف الموسيقي ثم عادت من جديد في 1965 الى الكتابة بغزارة. في عام 1985 انتقلت الى الحياة في أمريكا بعد وفاة زوجها الثاني وعملت أستاذة لتدريس الكتلبة الإبداعية في جامعة نيويورك حيث ماتت بمدينة نيويورك عام 2014.

 

حب …

 

سامحني لأني أبكيتك،
بالأحرى، كان علي أن أقتلك،
أن أسحب روحك
و أجلدك بها.

كان عليّ أن أرى دمك
يسيل، دفقة بعد أخرى،
أن أتركك ببثورك هزيلاً ووحيداً،
بلا لمسة حنوٍّ على عينيك أو أنفك أو فمك.

سامحني لأني عذّبتك،
بالأحرى، كان عليّ أن أُرْعِبك،
لكنّي لستُ الله – المنتقم –
و إنما مخلوقه الترابي وحسب

.

أتمنى أن تحترق أصابعك …

“كل شيء يقعُ دائما لأوّل مرّة” قلتُ له.
فأجابني “لا”
كيف لكِ أن تميّزي ضفدعة
إن لم تري واحدة من قبل؟
كيف لك أن تتحاشي حرقا في أصابعك
إن لم يلسعك، ولو مرّة، لهب نار؟

لدي ذكريات، وليس اختبارات، قلتُ.
حبي الجديد غريب ومتسلّط
كحبي الأوّل.
الضفدعة التي ترى
ليست تلك التي رأيت.
و كم أتمنى أن تحترق أصابعك
مرّةً تِلوَ المرة

….

كم أغار من ذلك الفراق الظالم بين شفتينا …

 

تظن نفسك حيّا ؟ أعدك بأن
غبار الأثاث سيصيبك بالصمم
و ستشعر بأن حاجبيك جرحان
و بأن كل ذكرى من ذكرياتك – ستبدأ
منذ عهد التكوين

***

قبلاتنا بالمئات، بالآلاف
-وحتى بالملايين- من يدري !
لم أعدها في حياتي:
فاكهتي، سناجبي، تعاويذي
أنهاري، وسكاكيني،
في وسعي أن أنام وأحلم داخل فمك،
أن أغني وأموت هناك،
مرة بعد أخرى:
ذلك الفم ملجأ بعيد
للمبيت ليلاً بعد سفر طويل،
أن أصل إليه، لا زلت أتوق إلى الوصول إليه …

معارك هي قبلاتنا
ثقيلةٌ، بطيئةٌ ومؤلمة،
حيث يلتقي الدم والصخب والذاكرة
كم أغار أنا من الماء الذي تشرب
و الكلمات التي تقول –
من تنهداتك الحزينة …
أغار من ذلك
الفراق الظالم بين شفتينا

 

رعشة كبرياء على خدي الأيسر …

 

كنت سأكتب إليك منذ زمن بعيد
لكني أحببت الخروج من عزلتي أولاً
من تلك المملكة حيث الأشجار،
في هيئة صلاة، تركع لنفسها
كالأنهار التي تجري في نفسها،
و لأني جسد وروح في آن
يستحيل الفصل بينهما: إنتظرتُ أيضاً
أن تبتعد العنكبوت،
العنكبوت التي رسمت نفسها بقلم فضي
على كتفي
و ها أنا الآن، مستعدة تماما لأقول لك
بأني لا أحبك.

***
هم دائما يحرمونني من شيء ما
من برتقالة، أو قصيدة، أو مكانة إجتماعية –
هويتي تزيد أكثر فأكثر غموضا،
عبثا أن أوقّع بإسمي كل هذه الكتب،
إسمي؛ ما إتفق عليه الآخرون،
و كينونتي؛ مثال مجرد،
أما علاماتي المميزة؛ فلا شيء

(آه.. هناك رعشة كبرياء على خدي الأيسر)

في النهاية، الجحود الذي أحاطني
هو ما صنع وجودي
كرَمْيٍ بهلواني لسكاكين في سيرك
تخترق ستارة المسرح
و ترسم بدقة ملامح
ضحية وهمية.

***

طوال الليل، ظلت النافذة مفتوحة.

فدخلت الغابة واتكأت على الحائط.

و بدأ سنجاب يتأرجح على المصباح.

و ثلج يهبط على ذراعي الكرسي.

و حين أوشك الفجر جاء الموت ليتأكد

أن وصاياه نفذت كما ينبغي.

كنت غارقة في نوم عميق

أستمتع بجمال المشهد.

***

استفقت فقلت: أنا انتهيت.

هذا الخاطر الأول عند الفجر.

يا لها من طريقة رائعة لبداية النهار

بفكرة كهذه قاتلة.

إلهي، كن رؤوفاً بي

هذا الخاطر الثاني، ثم

قمت من على السرير

لأعيش كما لو أني

لم أقل شيئا.

 

لا أحد منحني مقعدا …

ظللت واقفة على مدار الرحلة؛

لا أحد منحني مقعداً

بالرغم من أني أكبر بمائة عام ممن هم على المتن،

بالرغم من آثار ثلاثة تشوهات عظيمة على الأقل

ظاهرةٍ علي:

الكبرياء والوحدة والفن.

 

اقرأ أيضاً

لا الوقت و لا الشجر و لا المجازات

صداقة العالم

حين يرنّ الهواء حولك من القسوة

الثقافة والهويات الثقافية وتنازع الإرادات

نادي القتال Fight Club : “ما تمتلكه، يفضي إلى امتلاكك”.