in

الشاعرُ السكرانُ .. يعرفُ

تصوير جان داوود

وائل سعد الدين

الشاعرُ السكرانُ يعرفُ كيف يقرأ شعرهُ ..

مثلاً يقول قصيدةً من خلف كأسٍ

لا يمسّ الضوءُ قدرتَها على التغيير في المبنى

يحرّكُ إصبعاً بسلاسةٍ

كي يقنصَ امرأةً على شفَةِ الكلامِ

يشفُّ صحوتَها

ويسحبها إلى الألغازِ قَبْل الوخزِ في المغزى

وقد يهذي ويُشغفُ

كلّما نضجتْ ملامحُ حانةٍ في قلبهِ

فيحزّ نبرتهُ

ويزأرُ في المدى المخمورِ

كي يتفحّشَ المعنى

فلا يغتاله الشغفُ.

 

والشاعرُ السكرانُ يعرف كيف يعزفُ حلْمهُ ..

مثلاً يقول قصيدةً في سرِّ كلّ علامةٍ

من نكهة النكريزِ

أو من خطْفة النهوندِ إذْ يهوى

ويلعبُ بالمفاتيح الشهيّةِ

مثل طفلٍ يأكل الحلوى

وقد يومي إلى اللاشيءِ عن قصدٍ

إذا نظرتْ إلى عينيه إمرأةٌ و قالت:

“أين حلْمكَ ؟”

يحتفي بالريح مع موزارتَ

يمسكُ لحظةَ الإيقاع منتشيًا

ويمشي واضحًا أو فاضحًا

كالوقتِ بين الشام و فيينّا

يمطُّ  جنونه كالنصّ في حربٍ إذا استولى على الراياتِ

واقتحمت كتائبُ جيشه الأحداقَ عن خوفٍ ..

هنالكَ حُلْمهُ المفتونُ

لا يحتاجُ إلاّ آلةً وتريّةً تقتصُّ من دمهِ المخدّرِ

كلّما نضجت ملامحُ حانةٍ في قلبهِ

والقلبُ -إن صحّ التنبّؤ في كتابِ الشعر-

مختلفٌ ومؤتلفُ.

 

و الشاعرُ السكرانُ يعرفُ كيف يقتلُ موتهُ..

مثلاً يقول قصيدةً عن موتهِ

ويشدّ عزرائيلَ من يدهِ

ويخبرهُ بحقّ كحولِ كلّ حياتهِ

وكحولِ صحبهِ والندامى:

إنْ أتيتَ فلن أخافكَ

إنّني آنستُ ضوءًا قبل أن تأتي..

شربتُ من الخمورِ الصرفةِ الصهباءِ

محمولاً على جُنحِ اليمامةِ قبل أن تأتي..

عرفتُ من النساءِ الفاتناتِ دلالهنّ وسحرهنّ

وطعمهنّ -على اختلافه- قبل أنْ تأتي..

رأيتكَ إذْ مررتَ بجانبي

ودخلتَ أرضي مثل وحشٍ فاجرٍ

وأخذتَ لي ناسي ولم تأتِ

انتظرتكَ، فانتظرني

كي أجيئكَ كلّما نضجت ملامحُ حانةٍ في قلبيَ الملآنِ

إنّي سوف أنصرفُ.

 

الشاعرُ السكرانُ جدًّا

ليس يلعبُ بالقصيدةِ

إنّما لعبتْ بخاطره الكتابةُ

فاشرأبّ وقال نصفَ كلامهِ

أمّا الذي يبقى

من شعرهِ الأنقى

فيقولهُ الخزفُ.

 

19/8/2014

سجن عدرا

لن أصير شاعرًا

عن البوسترات التي في الشوارع وما شابه