in

البروفسور الألماني شتيفان ميليش يكتب عن الموت يصنع كعكة عيد الميلاد للشاعر السوري حمد عبود

الغلاف لوحة للفنانة Eliane hürlimann

صدر مؤخرًا للشاعر السوري حمد عبود باللغتين الألمانية والعربية في سويسرا مجموعته الشعرية التي حملت عنوان “الموت يصنع كعكة عيد الميلاد”، وقد خصّ الشاعر السوري صحيفة أبواب بكلمة البروفسور الألماني شتيفان ميليش التي ذيّل بها المجموعة، وترجمها إلى العربية المترجم المصري محمود حسنين:

تُعد النصوص الجديدة للشاعر السوري حمد عبود مثالًا ناصعًا على أن خوض تجربة الثورة والحرب والفرار يساهم في نثرنة النص الأدبي. درس حمد عبود، المولود في عام ١٩٨٧ في دير الزور، هندسة الاتصالات في حلب. وبعد اندلاع الثورة، صدرت مجموعته الشعرية “مطر الغيمة الأولى” عن دار أرواد، ثم اضطر إلى اللجوء لأوروبا بعد مروره بعدة دول عربية، حيث استقر به المقام في فيينا.

 

 

hamed abboud Photo: Eliane hürlimann

“أريد أن أقود دبابة” واحد من أروع النصوص المتاحة الآن بالألمانية، تطغى فيه الحرب على واقع الحياة اليومية وتسيطر على اللغة وتتحكم في الأفكار. تبدأ السطور الأولى هكذا: “لو أعرفُ كيف أقود دبابة/ لكنتُ استعرتُ واحدة من الأعداء، أو الأصدقاء/ الكل لديه دبابة سواي”. ويزداد ما تكشفه هذه السطور من عبث تراجيدي كامن في الوضع السوري، لأنها تبدو وكأنها ترد على لسان طفل. ففي زمن الحرب تُكتسب القدرة على التقمص الوجداني، الصفة الأخلاقية المحمودة في حد ذاتها، عبر قيادة دبابة من أجل مشاهدة العالم كما يراه الجنود “من فتحة الباب المستطيلة”، هكذا يمكن تفهم وضعهم “لربما عذرتهم قبل أن تكفري بإلههم لتدمير كنيستك المفضلة”. غير أن الله لا يُرى من فتحة الباب المستطيلة، ولا يوجد إلا عندما يهتف المحتضرون باسمه. ولا يتصدر الله أو الحياة مركز العالم الذي يتشكل في النثر الشعري، وإنما تتصدره الدبابة التي صارت ككلب يرافق الإنسان في كل حين.

يتمثل اللب الموضوعي للنصوص في مأساة الوضع السوري الناجمة عن فشل الثورة، وحرب النظام ضد شعبه، وعجز ما يُسمى بـ”المجتمع الدولي” عن الفعل. ويواجه الشاعر اليأس والإحباط بنظرة للعالم تتألف من أشواق متناقضة، وأفعال جنونية ورؤى مفزعة، وفكاهة سوداء من نوع خاص جدًّا. وفي أثناء قص الذات الساردة، التي تتحول أحيانًا إلى “نحن”، لحكايات يومية عن الحرب والمنفى والنجاة، تتقاطع مجالات حياتية لا علاقة لبعضها البعض في الأحوال العادية، ويصبح فيها الغروتسكي خاصة جوهرية ومتحكمة في الواقع.

 

ويصل الغروتسكي والعبثي والمتناقض إلى قمته في “الموت ومقامته”، إذ لا يصبح الموت مجرد موضوع من موضوعات الحياة اليومية ويفقد تابوهيته في الأحاديث فحسب، وإنما.يتحول مثله مثل أنماط السلوك الخاضعة لمعايير اجتماعية أو دينية إلى مادة لدليل إرشادي: دليل “إتيكيت” سوري مزود بكل ما يمكن أن نتخيل من قصص وآراء، يقدم نصائح تجنح إلى البطولة والإثارة حينًا، وتتعارض مع اللباقة السياسية بوضوح حينًا آخر. وفي هذه الإرشادات لا يُمتدح الخضوع إلى الأعراف الاجتماعية باستخدام صياغات دينية غير مناسبة للمقام فحسب، بل وتُمتدح أيضًا وصية من الوصايا “الغربية”، ألا وهي الفردانية والبحث عن الخبرات الحدية، التي تحث الإنسان على الموت بطريقة فريدة ومبتكرة حتى يحقق ما يتوقعه المجتمع من أفراده. فتختلط أنماط التفكير والسلوك الشرق أوسطية والأوروبية في مزيج هجين من ظروف حياتية غروتسكية، تتطابق مع حياة عادية في “حرب غير عادية”، يبرع الكاتب في التعبير عنها بمفردات لغة الحياة اليومية، وتتميز بفكاهة سوداء لا يمكن أن ينفصل فيها الضحك عن التراجيديا. وتفصح النصوص، بدرجة أكبر من الغروتسك والعبث، عن يأس عميق ينبع من شوق لا يزال غير قابل للارتواء لوطن قديم أو لوطن جديد ربما.

تتوافق كل من الطبيعة النثرية لهذه النصوص الأدبية، ذات الجماليات الخاصة والمقنعة جدًّا، واللغة، التي تجنح إلى الملحمية حينًا وإلى العمق حينًا آخر، مع ما نشأ من متناقضات في سياق الحرب في سوريا في السنوات الأخيرة. فلم تفسد تجربة الحرب والفرار اللغة بشكل كبير، فهي لا تزال تؤدي على السطح وظيفتها كوسيلة اتصال، وإنما يوضح لنا عبود في صور وحكايات غير مألوفة، متتابعة تتابعًا يبدو مضطربًا ولكنه يتسم بالبراعة، من جهة، وفي مواضيع تتغير بوتيرة سريعة من جهة أخرى، كيف أفسدت تجربة الحرب والفرار الحياة الإنسانية، وكيف أن الأدب قادر على مواجهة الخرس والوجوم إزاء هذا الفساد بملاذات آمنة من أجل عالم أكثر إنسانية.

شتفان ميليش
ترجمة محمود حسنين

 

 

جدير بالذكر أن كتاب الموت يصنع كعكة عيد الميلاد قد فاز بدعم الترجمة من قبل SüdKulturFonds & litprom e.v. وقامت بترجمة الكتاب المترجمة والصحافية لاريسا بندر، أما لوحة الغلاف فكانت للفنانة إليانه هورليمان.
الكتاب قد صدر مطلع شهر آذار في سويسرا لدى دار النشر (Pudelundpinscher) وحمل رقم الترميز الدولي: ISBN 978-3-906061-11-5
28 Franken, 23 Euro

 

 

 

 

.

مَدْرسة تربح 24 مليون دولار من الاستثمار بسناب شات

كاتب ألماني يكشف كيف سعت ألمانيا لإبعاد اللاجئين عام 2015