in

“ميثولوسيريا” من لاجئ سوري إلى صديقة ألمانية

أحمد مارديني | حقوقي سوري.

 

أخبرت صديقتي الألمانية أنَّ المتاحف صُنعهم، وأنّ التُّحف صُنعنا.. تأتي إليهم “مثلنا تمامًا” بين الحرب والحرب.

أنّنا كَكُلِّ النّوارس ننحَدرُ من جبين الشّمس، وأن القيثارة فِتنتنا الأخيرة

تُشبه أحلامنا بكل النساء

 

أخبرتها أننا نُقتَلُ بكلِّ ما أمكن، ثم نأتي إليهم، عبر آلاف السّنين

نمدُّ الضحايا على شِراع أحلامهم

عربونًا.. وزجاجة شمبانيا.

نزرع في سرير كلِّ ضحيّةٍ وردة

وفي خاصرةِ كلّ طعنةِ زيزفون

“أسلوبنا في تخليد أُخوةِ الملح”

وأنّنا.. نأخذ جثث أعدائنا

إلى رؤوس القمم قربانًا لكلِّ النُسور

 

أخبرتها أن أغنيات فيروز تُشبه إلى حُبِّ كبير هطول القصب صيفا

وأنَّ مسرحيات فليمون وهبة

أكثرُ قتلاً للوهم من كلّ تراجيديات أسخيليوس

وأن العطر العراتلي أطول من نهر الرّاين

والفستق الحلبي أوفر من أن يباع

في الماركات الضخمة.

فهو “مثلُ الضّوءِ” هديةٌ في جيوب المساكين

 

أخبرتها أنّ نساء بلادي خارطاتٌ للأبد

طويلاتٌ.. بطول الأغنيات

نحيلاتٌ.. ككلِّ المآذن

حانيات.. يُشبهن عيد القِطاف

أن ريم علي.. مثلاً، أعمق في الخلود

من جوليا روبيرتس في فيلم قضيّة البجع.

وأنَّ بحيرة مسعدة في أرض العهد القديم أشدُّ شبهًا بالسّماء الأولى

من بحيرة الألستر في هامبورغ

وأنَّ كُروسّان القشلة أطيب صباحًا

“من كعك باغيل” مع القهوة

أنَّ ملحمة الحرافيش أكثر جرأةً في إيصال الحياة من رواية الأم لغوركي

وأن قصر شمعايا في دمشق

أكثر قُربًا من الأرض من قصر هايدلبرغ

 

أخبرتها: أنّنا نشبه نفسنا أكثر

ولا نُشبه الأخرين، فنحن نحيا أقلّ..

لكن، وطوال هذا الوقت القصير

قُرب الشّجر نحيا.. نروي حكاياتنا للخشب، نتصيرهُ خمرًا، وتترعهُ السّنين

 

أخبرتها أنّنا نفسها التُّحف

التي حدّثتها في أول الأمر عنها

تغلي بالحكايات وأنَّهم نفسهم المتاحف. تصطكُّ بردًا كلّما تُقفل الأبواب.

 

كلّ هذا أمام كأس نسكافيه فاترة..

صديقتي الألمانيّة خرساء

لكنّها تسمع جيدًا

 

 

 

فضاء مفتوح لجريمة بلا عقاب

بين الدبكة والتكنو – كيف نفهم المجتمع من خلال موسيقاه؟