in

قراءة في رواية “سيدهارتا”.. احتفاءٌ بالحكمة في طريق البحث عن الذات

محمد عبد الوهاب الحسيني. كاتب وصحفي سوري مقيم في ألمانيا

كتب الأديب الألماني هرمان هسه Hermann Hesse روايته “سيدهارتا” عام 1922، وهذه الرواية كانت باعتقادي محاولةً منه لحل التناقضات التي تتنازع فكره، فهو من أسرة دينية، إلا أنه تمرّد على التعليم الديني. كتب العديد من الروايات وآخر أعماله “لعبة الكريات الزجاجية” والتي تم بعدها منحه جائزة نوبل للآداب عام 1946.

رواية سيدهارتا تحتفي بالحكمة المأثورة سرداً على ألسنة شخوصها ولاسيما بطلها سيدهارتا، وقد اتخذ الكاتب هذا الاسم لبطل روايته الباحث عن التنوّر بدون الله، ونشير هنا إلى أن اسمه المؤلف من مقطعين يعني باللغة السنسكريتية الرجل الذي وصل لأهدافه وهو الإسم الأصلي لبوذا.

يعود سيدهارتا بعد الخوض في تعاليم الزهد لفترة وجيزة مثل بوذا، إلى عوالمه الروحية الخاصّة، نابذاً التعلّم من الآخرين، وساعياً للبحث عن الحب والحكمة لصنع  المعجزة والسلام الذي يبتغيه للوصول إلى هدفه السامي.

أراد البحث عن روحه وذاته بعيداً عن تعاليم والده الذي كان برهمياً ذا سطوة، فعاش مجرّباً الزهد والتقشف، لكنه انغمس أيضاً في ممارسة الشهوات والغرائز، ثم عاد إلى ذاك الحكيم الذي كان ذات يوم في داخله، وترك كل إغراءات الحياة المبتذلة التي عاشها، وشعر بالغثيان منها ومن كل خواءات الشهوة التي سلك دربها سابقاً!

كان سيدهارتا يبحث عن نقاء الروح من خلال الحب ولو كان هذا الحب لغانية ثرية تدعى “كماله” التي أصبح تلميذها وعاشقها وصديقها، الأمر الذي جعله يشعر لبرهة أن حياته اتّخذتْ قيمة ومعنىً، لكنه عاد إلى ذاته الحقيقية من أجل الظفر بالهدأة والسكينة والسلام وحياة التنوّر بعد نبذ تلك القائمة على الشهوات.

وصل بطل الرواية في آخر المطاف إلى تعاليم بوذا ولكن بمفرده وعلى طريقته، وهذه التعاليم البوذية تدعو إلى الخلاص، فقد رأى بوذا أن كل وجود هو ألم، والألم ينشأ من الشهوة أو الرغبة الشديدة والانقطاع عن الشهوة يعني نهاية الألم. ويقال أن بوذا أو جوتاما، كانت كلماته الأخيرة قبل موته لتلاميذه: الانحلال متأصل في كل الأشياء المركّبة، فتدبروا أمر خلاصكم باجتهاد.

ولم يكن بوسع سيدهارتا الوصول إلى “النّيرفانا” التي تعني الانقطاع عن كل ولع وشهوة، إلا من خلال تجربة كل شيء بعيداً عن التعاليم الجاهزة، وعرف أنه لم ينفصل لحظة عن جوتاما وإنْ لم يكن قادراً على قبول تعاليمه!

من ناحية الشكل والأسلوب، يلاحظ التناغم الجميل بين نبرة السرد المفعم بالحكمة، وبين ذات النبرة من الحكمة على ألسنة شخصياته الروائية، فيحقق هذا التناغم جمالاً يخيّم على الفضاء الروائي برمته.

مواد أخرى للكاتب:

الكاتب الألماني باتريك زوسكيند صاحب “العطر”… معه يمكنك أن تلامس الرائحة وتراها

عن سطوة الأساطير في مخيال البشرية: أسطورة أوديب مثالاً

جرّ الواقع إلى الإبداع، رواية “سبايا سنجار” لسليم بركات

شخصية العدد 48: مرجان ساترابي.. تصوير روائي لملامح الحياة في “بلاد فارس”

تحميل العدد 48 من جريدة أبواب بصيغة PDF