in

برلينيات – الجزء السادس

Gilles Sabrié/The New York Times

راما جرمقاني

 

-1-

عندما ودعتك ببرود لأني كنت أعلم بأني سأعود، أخبرتني أني فيما لو عدت، لن يكون لي مكان في حياتك. اليوم، وبعد عام، لم أعد، لكن لم يعد لي مكان في حياتك أيضًا. لقد كنت تكذب منذ البداية!!

-2-

اليوم أتمم عامي الأول بعيدًا عن دمشق. لا أشعر بشيء. لست حزينة. ولست سعيدة. لا أنتظر. ولكنني متلهفة لتغيير ما. لدي عمل. لكنني عاطلة عن العمل أيضًا. لدي منزل، لكن لا أعيش به. محاطة بأناس كثر. لكنني وحيدة. لدي أحباء لا حبيب، لكن ولا واحد منهم لي. إلا أن الشيء الوحيد المتأكدة منه. أنه لا حياة بمعنى الحياة لي هنا بعد.

-3-

أحيانًا أشعر بعبثية ما أقوم به، أشعر بعبثية وجودي في حد ذاته. أفتقد أي حافز للاستمرار بالحياة. بعد عدة جلسات مع الطبيبة النفسية أخبرتني أن هذا يدعى اكتئاب من النوع الحاد.

-4-

هناك متع يومية كنت اعتاد على تلوين حياتي بها. كفرحتي أثناء عودة التيار الكهربائي. فرحتي عندما أصل إلى المنزل وأجده دافئًا. سعادتي بالعثور على مكان لركن سيارتي أمام المنزل. أغنية أسمعها صدفة في الراديو. نقود يعيدها أحدهم لي كنت قد أقرضتها له ونسيتها. رسالة ما قبل النوم. اتصال غير متوقع. افتقد كل هذه المتع.. كم كان لها معنى!.

-5-

كنت أُعرّف الوطن بأنه المكان الذي أكون مرتاحةً فيه. لدي عمل ومنزل وأصدقاء. لكنني اليوم اكتشفت أن الوطن هو الذاكرة فقط..

-6-

تعبت من أن أُعرّف بنفسي. أن أقول للآخرين من أنا. لكل شخص أنتقي جانبًا مني لأقدمه له، جانبًا يناسبني ويناسبه. أحاول أحيانًا جمع نفسي، أفشل، ولا أظن أن هناك آخر قادر على جمعي أيضًا. لقد أضعت كُلي بالأجزاء المبعثرة..

-7-

أتألم أحيانًا من أشياء أعلم مدى تفاهتها. وأعلم أنها لن تعني لي شيئًا بعد حين.. لكن ماذا عن الوقت الراهن؟؟ من يعالج الألم الحالي؟

-8-

كنت أحلم بألا أخسر مجددًا. الآن، أتمنى أن أتعلم كيف أتقبل الخسارة فقط. ألّا أجرف بطريقي أشخاصًا لا ذنب لهم مع موجة غضبي العارمة. وألا أؤذي نفسي.

-9-

تركت الكثير من حياتي السابقة هناك. لكن أهم ما خلعته على الحدود كان الخوف. لا يمكن لأي شخص أن يتخيل طعم الحياة بلا خوف دون أن يجربها. متعةٌ من نوع مختلف.

-10-

أعشق فيروز ككثيرين غيري، لكن ما لا أحتمل استماعه من أغنياتها: “نسم علينا الهوى”. أعتدت أن أغنيها “يا هوا خدني من بلادي”. اليوم أسمعها بشكل مختلف هنا. أبكي بحرقة على كلماتها. أكره الحنين الذي يدفعني للتعلق بأكثر الأشياء التي أكرهها.

-11-

تعثرت كثيرًا في حياتي. سقطت، تألمت، وبكيت من الألم. لكنني نهضت وعدت لأحارب. اليوم لا أعلم إذا ما كنت أمتلك الطاقة للاستمرار، للنهوض، وإذا مازلت أريد فعلاً القتال مجددًا. “متعبة”، بعد عام، هذا هو الوصف الأدق لـ “حياتي”.

مواضيع ذات صلة

برلينيات (الجزء الأول)

برلينيات –الجزء الثاني-

برلينيات –الجزء الثالث

برلينيات – الجزء الرابع

ألمانيا: نحو 300 مهاجر حاولوا التسلل إلى ألمانيا بقطارات البضائع

ألمانيا: إنشاء “مراكز ترحيل” للمهاجرين الذين ترفض طلبات لجوئهم