in

أشكال العنف ضد النساء -2- العنف الاقتصادي

العنف الإقتصادي ضد المرأة أحد أشكال العنف المبني على التمييز ونتيجة لأنواع أخرى من العنف:

يمكننا أن نلحظ هذا النوع من العنف في عدة مستويات حسب وضع المرأة، فمن ناحية؛ يمكن للمجتمع أن يحرم النساء من فرص التأهيل المختلفة سواءً بحرمان الفتيات من التعليم و الدراسة أو منع النساء من تلقي تدريب أو حتى العمل لاحقًا تحت حجج الأعراف والمرجعيات الدينية، فتبقى النساء تابعة اقتصاديًا للمعيل ويقتصر عملها على القيام بأعمال المنزل مجانًا، ومازالت النساء في الأرياف يقمنّ بأدوار إضافية خارج المنزل كالعمل في الأراضي الزراعية مجانًا دون تحقيق أي أمن أو استقلالية اقتصادية، بينما تعاني النساء العاملات من التمييز ضدهن في أماكن العمل سواءً من حيث فرق الأجور أو الترقي على السلم الوظيفي بين الجنسين، ويعانينّ من ضغط الأعباء الإضافية في المنزل حيث لا يعترف المجتمع بضرورة تقسيم الأدوار داخل المنزل حتى ولو شاركت النساء بدعم الأسرة ماليًا.

وعن أثار هذا التمييز تقول د. مارسلينا شعبان الاختصاصية بالعلاج النفسي التحليلي: “إن الحصول على الموارد الاقتصادية للنساء، وبنفس الوقت قلة قدرتهن على اتخاذ القرارات بالتصرف بهذه الموارد يزيد من إمكانية تعرض المرأة للعنف في حال تأففها من هذا الواقع، في المجتمعات المهمشة توجد دائمًا سياسات عدم تنظيم الاقتصاد بما فيها خصخصة القطاع العام الذي يكرس أو يميل إلى انعدام مساواة المرأة بالرجل في الأمور الاقتصادية والاجتماعية.”

وتضيف د. شعبان: “المجتمعات التي توجد فيها أيضا مستويات عالية من انعدام المساواة، تشهد توسعًا زائدا في الفجوة بين الأغنياء والفقراء نتيجة العولمة، وتخلق أحوالاً ترفع مستوى العنف ضد النساء نظرًا لآليات التحكم الاجتماعي القائمة على أشكال مختلفة من العنف ضد المرأة أو تؤيدها، كما تكرسها القوانين الشرعية في الميراث وطبيعة المهر أو تزويج النساء الصغيرات لأهداف مادية بغية نوع من الحماية الاجتماعية المزيفة.”

وتقول المحامية ملك قاسم عن موقف القانون من عمل المرأة: “بالرغم من مشاركة المرأة العربية في مجال العمل بقوة التشريع؛ لكن ذلك دون مشاركة إيجابية حقيقية في الحصول على هذا الحق، بالاضافة لاستغلال المرأة في مجال العمل، فقد أعتُبر حصولها على هذا الحق في كثير من الأحيان استقلالاً تقهر فيه أسرتها أو في أحيان أخرى يتم استغلال عملها كوسيلة لرفع مستوى الدخل لا أكثر”.

ويبدو أن القانون الذي يعترف بحق العمل للمرأة لم يحمِ حقوقها كعاملة، فبحسب القاسم: “هناك مواد في قانون الضمان الاجتماعي تنظر للمرأة بوصفها مُعالة لا معيلة، وهي ذات النظرة التي كرستها قوانين الأحوال الشخصية” الأمر الذي يضع المرأة بنمطية التابع الاقتصادي من ناحية ومن ناحية أخرى فإن هذه القوانين تناقض ذاتها في أماكن أخرى لتمنح المرأة حقوقًا اقتصادية أقل في معاملات نفقات الأطفال لأم مطلقة حاضنة لهم، أو من حيث الميراث، وفي بعض الأحيان من حيث حرية التصرف بمالها.

يضاف إلى هذا العنف الجنسي والنفسي الممارس ضد النساء في أماكن العمل، حيث مازالت الاعتداءات الجنسية ضد النساء العاملات ظاهرة في معظم دول العالم، وكذلك فيما يخص فرق الأجور بين الجنسين لذات العمل والذي ينتج عن النظرة تجاه المرأة العاملة كمعالة لا معيلة، ويظهر مصطلح كـ “تأنيث الفقر” كناية على أن النساء هم الشريحة الأكثر فقرًا سواءً لكونهن تابعًا اقتصاديًا لمعيل أو لتلقيهم أجورًا أقل، وبالتالي تعويضات أقل.

وربما يعتبر هذا الفقر أيضًا وغياب التأهيل سببين لانتشار مهن متعلقة بـ”الاتجار بالبشر تكون النساء ضحاياها مما يدخلنا في دوامة من العنف الجنسي، والبدني والنفسي.

كما أسلفنا فإن أنواع العنف العديدة القائمة على التمييز على أساس النوع الاجتماعي، متداخلة بشدة بحيث تتماهى مع بعضها مشكلة حلقة من العنف لم تنجح أكثر الدول تقدما على تفكيكها بشكل كامل، ومازالت  احصائيات وتقارير المنظمات الأممية والحقوقية والنسوية تُظهر أرقامًا مرعبًة حول العنف ضد النساء بمعظم أشكاله في مختلف دول العالم، وإن كانت تتفاوت بين الدول بناءً على تقدم القوانين والمجتمع بمحاولتهما لتقليص العنف ضد النساء، إلا أن وجود أي شكل من أشكال التمييز ضدهنّ سيكون سببًا لتوليد المزيد من العنف أو التسهيل له، ويعتبر التخلص من العنف الاقتصادي والقانوني في غاية الأهمية بحيث يمكن اعتبار النساء خزانًا بشريًا لم يستثمر، من حيث أنهنّ يد عاملة كبيرة، ووجود مواهب وطاقات لا تستثمر بسبب تبوء النساء لمراكز متقدمة مهنية وسياسية بشكل أقل من الرجال، حتى في تلك المهن المنمطة كمهن نسائية كالتعليم والتربية ..، كما أن النساء يعانين من الفقر وآثاره السلبية الكبيرة المنعكسة على جودة حياتهن، وبينما يعتبر التخلص من العنف القانوني أحد أهم الخطوات الأولى نحو التخلص من التمييز لما في ذلك من ضمان لهذه الحقوق التي تحارب النساء من أجلها، وحيث تتعارض هذه القوانين مع ضرورة التعامل العادل مع كافة البشر أمام القانون بعيدًا عن أسباب تمييزية تعتدي على حقوق المرأة بوصفها إنسانًا ومواطنًا بالدرجة الأولى.

 

مواضيع ذات صلة:

أشكال العنف ضد النساء -1- العنف القانوني

أشكال العنف ضد المرأة -الجزء الثاني- العنف الجسدي والنفسي

جندرة الدستور السوري القادم مطلب نسوي وحقوقي يمس كل سورية

ماذا نفعل حين نتعرّض للتحرش أو الاعتداء الجنسي؟

سميّة لن تعود إلى سوريا، لكن عبد الله سيعود!

ألمانيا: السجن لإطفائي وصديقه أضرما النار في مأوى للاجئين