in

ملف العدد 40 عن التنمر.. وأطفالنا هم الضحية

رشا الخضراء*

في أوائل هذا العام 2019 ضجت مدينة برلين بخبر انتحار طفلة ألمانية بعمر ١١ سنة بسبب تعرضها للتنمر والإزعاجات المتكررة.

وصرحت مونيكا هيرش شبيتز الأخصائية الاجتماعية، أن التنمر أصبح ظاهرة شائعة جداً، حيث يقدر أن واحداً من كل ثلاثة طلاب إما تعرض سابقاً للتنمر أو هو ضحية حالية له. كما أن شدة العنف ازدادت عن السابق، والضحايا الأصغر عمراً باتوا في تزايد واضح!

كما ذكرت صحيفة Bild الألمانية في الشهر الرابع من العام 2017 أن من بين كل ستة مراهقين بعمر ١٥ عام، واحد منهم يتعرض للتنمر.

ماهي أسباب التنمر

لمعالجة التنمر لابد من معرفة الأسباب، مع الانتباه إلى أن المتنمر يحتاج أيضاً لعلاج، ويحتم ذلك معرفة أسباب اعتدائه على الآخرين.

قد تكون الأسباب سيكولوجية واجتماعية، كأن يكون لدى المتنمر اضطراب شخصية سايكوباثي، أو قد تكون أسباب اجتماعية كأن ينحدر من أوساط فقيرة مهمشة فيتنمر كنوع من التعويض ولفت النظر وطلباً للانتباه.

كما قد تكون أسباب أسرية، كالإهمال الشديد بسبب انشغال الأهل، أو الحماية الزائدة التي تعيق النضج. كما يؤثر العنف الأسري أيضاً على سلوك الطالب في المدرسة، فيحول العنف الممارس عليه إلى عنف يمارسه على الطلاب الأضعف فيما يعرف بدائرة الضحية والجلاد.

وقد يؤدي عدم وجود سلطة واضحة أو اعتماد العنف لحل المشكلات، إلى تعزيز بيئة مناسبة يمارس فيها التنمر. ولا ننسى أن نذكر الألعاب الإلكترونية التي تسيطر على عقول الأطفال والمراهقين لتحولهم إلى كائنات أكثر عنفاً وأقل تعاطفاً!

كيف أعرف أن ابني يتعرض للتنمر؟

  • ألاحظ تغيرات سلوكية في الفترة الأخيرة.
  • لا يحضر أصدقاءه إلى المنزل.
  • لا يتم دعوته إلى أي عيد ميلاد.
  • تراجع في دروسه.
  • فجأة يبدي رغبة في عدم الذهاب للمدرسة.
  • لا يريد أن يشارك في النشاطات الرياضية .
  • يغير طريقه للمدرسة.
  • تغيرات في ملابسه مثل تمزق أو تمطط.

———————

 التنمر في ألمانيا

يوجد في ألمانيا عدة مكاتب تقدم استشارات لحالات التنمر وتسجل الشكاوي ليس فقط عن حالات التنمر بين الطلاب، وإنما أيضاً في العمل حيث توجد قوانين تضبط هذه الاعتداءات.

وقد لفتني برنامج تلفزيوني على إحدى القنوات الألمانية لمدرب ألماني مختص في التدريب ضد حالات التنمر اسمه Carsten Stahl، يقوم على مدى سنوات بتدريب الطلاب في المدرسة على التعاون واحترام الآخر، ويمررهم بتجارب أثناء ورشات عمل جماعية ليشعروا بمشاعر الآخر ويتطوروا اجتماعياً وعاطفياً.

وهذا يشبه ما يسمى البرنامج المدرسي الموسع لمكافحة التنمر Bulling prevention program الذي تم تطويره في الثمانينات من قبل العالم النفسي النرويجي دان ألويس (Dan Olweus)، الذي يعمل على تغيير ثقافة المدرسة بالتأكيد على الاحترام المتبادل.

نصائح للتعامل في حال اكتشفت أن ابني يتعرض للتنمر

لابد من الحديث معه بهدوء وإنصات، ومحاولة معرفة التفاصيل كاملة، ومن المهم ألا نلومه أو نشعره بالخجل من نفسه، كما يفضل عدم الحديث مع الطالب المتنمر مباشرة أو مع أهله، أو جلب الطفل مع أهله إلى اجتماع الأهالي. بل يتم الحديث أولاً مع المدرسة لتحديد وقت معين لإنهاء المشكلة، وفي حال عدم التجاوب يمكن كتابة شكوى خطية تُبحث من قبل إدارة مجلس المدرسة.

يجدر بالذكر أنه عند تعرض طفل لاعتداء جسدي أو نفسي واضح، لابد من شهادة مكتوبة من طبيب الأطفال بالحالة وتوثيقها مع معالجتها. ويجب أن يحفظ الأهل التفاصيل والتواريخ بدقة. ويجب مطالبة المدرسة بورشات عمل وحلول جماعية للمدرسة كاملة أو للصف الواحد.

إذا لم تتجاوب الإدارة، يمكن التواصل مع Jugendamt أو مكاتب مكافحة العنصرية في حال كان التنمر ينطوي على عبارات عنصرية.

إذا لم يتغير شيء بعد كل تلك المحاولات ، يمكن تغيير الصف أو المدرسة لنحمي أولادنا من الجو الموبوء، ولكن يفضل ترك ذلك كآخر خطوة كيلا نشجع الطالب على الهروب من المشكلات عوضاً عن مواجهتها.

وفي حال كان عمر المعتدي 14عام فما فوق، يمكن التقدم بشكوى رسمية لدى الشرطة.

ماذا لو كان المدرس أو المدرسة هو الذي يمارس التنمر؟

فقد يتعمد الأستاذ الإساءة أو التقليل من شأن طالب معين باستمرار، وقد يكون الدافع كراهية ضد الأجانب. يجب أولاً الحديث مع الإدارة أو مع ممثل الصف من قبل أولياء الأمور. كما يمكن رفع شكوى عند الشرطة، ويمكن أن يُحاكَم ويطالب بتعويض مادي عن الضرر الحاصل Schmerzensgeld.

كيف يتم التصرف مع المتنمر؟

ضمن سلطة أستاذ الصف:

التنبيه أو ما يسمى Ermahnung ، عقوبات جزائية (تذنيبات)، تبديل أماكن الطلاب، عقد جلسات حوار وصلح وورشات عمل بين الطلاب تتضمن نشاطات يتم من خلالها لعب تبادل الأدوار.

ضمن سلطة الإدارة:

تسجيل مخالفات ضمن سجل الطالب، فصل الطالب المتنمر مؤقتاً عن بعض الدروس، وأخيراً فصل الطالب تماماً من المدرسة.

الجدير بالذكر أن الطالب المتنمر يحتاج إلى حوار علاج، تماماً مثل الطالب الذي تعرض للتنمر، لمعرفة الأسباب الذي تؤدي به إلى إيذاء غيره، وقد يتحول الطرفان إلى أصدقاء بعد الحوار والمصارحة الذي يتبناه الأستاذ أو الإدارة بين الطرفان.

عندما تتداخل العنصرية مع التنمر

غالباً يصعب علينا كقادمين جدد التمييز بين التنمر وبين الإزعاجات والتصرفات العنصرية، حيث يشعر اللاجىء دوماً، نتيجة الصورة النمطية التي يتم التعامل معه من خلالها، بأنه الحلقة الأضعف، ويساهم في هذا الشعور صعوبات اللغة وعدم المعرفة التامة بالقوانين، مما يجعله ضحية سهلة للتنمر.

و بطبيعة الحال فإن المتنمر يبحث عن نقاط ضعف الضحية ليستهزئ بها ولعل صفة اللاجىء هي وجبة جاهزة لكل من يريد أن يستهدف أحد ما بالاعتداء.

في إحدى القصص التي رُويت لي من إحدى الأمهات، أن أحد الطلاب الألمان رمى طعام على الأرض وقال للطالبة السورية “كلي هذا الطعام، أنتم اللاجؤون تأكلونه عادةً!”

في حالات كهذه يمكن إذا لم تتجاوب المدرسة مع الشكاوى المقدمة من الأهل، التوجه لمكتب مكافحة العنصرية التابع لتلك المنطقة.

الألمان من أصول مهاجرة

حسب غالبية القصص التي رويت لي والتعليقات المكتوبة على الفيديو المرافق الذي يتحدث عن التنمر، نفاجأ بأن غالبية المتنمرين عن طريق استخدام ألفاظ عنصرية هم من الألمان ذوي أصول مهاجرة، عربية أو تركية، وهذا ما يفاجئ المعتدى عليه أيضاً لأنه يفترض أن يلقى الحماية والترحيب بشكل خاص من هؤلاء أقرباء الدم والتاريخ !.

ومن خلال قراءتي للقصص المروية لي شخصياً بعد البحث الميداني، ونظرة متفحصة لعلاقة القادم الجديد مع المواطن ذو الأصول المهاجرة، يظهر تأثير الحديث المتناول بين الأسر ككل وداخل الأسرة الواحدة، على تعامل الطالب المتنمر مع القادم الجديد! حيث يشكل كل من شعور التنافسية والغيرة من جلب الانتباه والخوف من وصمة اللاجئ عوامل أساسية تدفع المتنمر لاستخدام هذه العنصرية تجاه اللاجئ.

ذكرت إحدى الأمهات أنها بعد أن أوصلت ابنتها إلى الحضانة رأت بأم عينها أطفال يتجمعون على ابنتها ويضربونها، ومنهم ألمان عرب، وقد علمت أن هذا تصرف متكرر.

كما يظهر أيضاً تنمر واستعلاء بين اللاجئين أنفسهم، لنفاجأ بأن التنافسية الطبقية أو الأمراض المجتمعية سحبت نفسها في بعض المرات مع قدوم اللاجىء إلى المجتمع الجديد. والملفت هنا هو تدخل التحزبات الدينية أو العرقية، ضمن هذا النطاق فيتم إقصاء الطفل المختلف على الدوام من المجموعة، كنوع من التنمر العاطفي!.

روت إحدى الأمهات وهي لاجئة من العراق بحرقة، عن تنمر عدد من أطفال اللاجئين السوريين على طفلها كونه الوحيد القادم من العراق بينهم.

Cybermobbing التنمر الإلكتروني

التنمر عن طريق الشبكة العنكبوتية الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فيمارس من خلالها السب والشتم أو التهديد أو نشر الأكاذيب والشائعات أو الاستهزاء بالضحايا.

وهو من أخطر وأهم أنواع التنمر، حيث تصعب معرفة هوية المعتدي، كما يمكن أن تمارس في كل وقت وأي مكان، وهذا ما يسبب شعور عدم أمان عالي عند المعتدى عليه على مدار الساعة، وبين جدران غرفته الخاصة، كما يمكن من خلالها نشر الشائعات بشكل أكبر فيكون التنمر على نطاق واسع مع إمكانية للانتشار السريع، فتشعر الضحية بالخوف والعجز والعزلة. كما أنها تعود لتظهر من جديد على الشبكة العنكبوتية كلما حاولت الضحية نسيان أو تجاهل الموضوع.

تمارس هذه الطريقة من التنمر في بعض الأحيان بالتوازي مع الأنماط الاخرى، ليعود الطفل من المدرسة فيفاجأ بالاعتداء يلاحقه إلى منزله ويضيق عليه أكثر. لكن ذلك أيضاً يترك دليلاً ملموس على التنمر يمكن استخدامه كتوثيق عند تقديم الشكوى.

تقدم منظمات مختلفة، مكاتب لتلقي البلاغات والشكاوى على الخط الساخن حيث يستطيع المستخدمون الإبلاغ عن هذه المضايقات. مثل

www.jugendschutz.net

www.internet-Beschwerdestelle.de

وتتراوح عقوبات هذا النوع من الاعتداء في ألمانيا بين الغرامة المالية والسجن، الذي قد يصل لخمسة سنوات، طبعاً بعد تحقيق كل البنود والتحقق من كل التفاصيل.

وقد تعرضت أنا شخصياً لهذا النوع من التنمر من كل الجنسيات، على سبيل المثال: قام شخصين ادعيا أنهما ألمان، بإرسال رسائل لي إحداها إيميل باللغة الألمانية، والآخر بعث لي رسالة على الهاتف ولم أستطع معرفة كيفية حصوله على رقم هاتفي! وذلك بعد تجاهلي لتعليقاتهما المزعجة على عدد من الفيديوهات على قناتي اليوتيوب.

في هذا الفيديو عرض لبعص حالات التنمر في برلين والحلول التي يمكن اتباعها:

 

* إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا

 

اقرأ/ي أيضاً للكاتب:

التنمر في ألمانيا، مشكلة ممتدة للدراسات العليا ومجتمعات البحث العلمي الألمانية

مشكلة الارتباط في الغربة.. أمهات يبحثن عن عرائس على الفيسبوك، وفتيات يرفضن التسليع

“ضع نفسك مكاني”: برأي الألماني كم تحتاج من الوقت لتستقر؟

زاوية يوميات مهاجرة 5: سأروي حكايتي

في مواجهة الارتفاع الجنوني للإيجارات في برلين.. هل تصادر الدولة ملكية الشركات الكبرى؟