in

الهوية الحقيقية.. هل أنا حقيقي أم شخصية مبتكرة؟

الهوية الحقيقية.. هل أنا حقيقي أم شخصية مبتكرة؟
الهوية الحقيقية.. Bild von Gerd Altmann auf Pixabay (3)

لماذا يخاف الناس أن يكونوا كما هم ويلجأون لهوية مبتكرة؟ كيف للمرء أن يكون هو نفسه، يعبر عن آرائه ويمشي طريقه هو ويتخذ قراراته بنفسه ارضاءً لها وليس للحصول على إعجاب الآخرين، يقف بجانب نفسه بالمجمل ويعيش الحياة التي يرغب خوض غمارها وليس ما يتمناه الآخرين.

أن تعيش حياتك كما تريد مهم جداً لشعورك بالتقدير الذاتي والثقة بـ”الهوية الحقيقية” والرضا عنها، عدا ذلك أنت تعيش حياة شخص غير حقيقي، تماماً كأنك تحمل لوحة بين يديك وتُخفي وجهك الحقيقي، فيرى الناس اللوحة وليس من يختبيء وراءها.

وقد تتساءل بعدها لماذا تفشل في العلاقات حولك أو حتى تخسر الكثير منها وربما تشعر دوما بنقص ما أو عدم الرضا الداخلي.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخوف هو السبب الحقيقي وراء الشخصيات المبتكرة أو المقنّعة. فالخوف حالة طبيعية ملتصقة بالكائنات الحية ومنها البشر، والإنسان مبرمج على ذلك لحماية نفسه، فالخوف مرتبط نوعاً ما بالحماية، فيلجأ الفرد للأقنعة، يلبسها للتكيّف مع البيئة التي يعيش فيها.

الخوف من أن لا يعبر الشخص عن رأيه بصراحة أو أن يكون كما يريد، يعتري الكثيرين وبنسبة أعلى في المجتمعات التي تتبنى الكثير من الأفكار المتوارثة، لمراعاة ما يطلق عليه في هذه البيئة من ” عيب” أو ” لا يجوز”، ويضطر المرء لتبني رأي معين أو قول ما يناسب الحالة العامة. قد نواجه الكثير من المبررات أيضًا لحالة التصنع مثل “كي لا أجرح غيري” أو ” هذا مُخل للأدب العام” وهذا نتعلمه في بيئاتنا التي نعيش بها منذ الصغر، ويتم تلقيننا بمفردات العيب، وما لا يجوز، أو هذا مسٌّ بمشاعر الآخرين، مما يجعل أفراد هذه المجتمعات أكثر مقاومة للنقد لاحقاً أو أخذ النقد على أنه هجوم شخصي.

وللخروج عن هذه القواعد العامة يتطلب المرء عادةً جرأة وصراحة، ويبدأ ذلك من عند الفرد نفسه ومع ذاته،؛ أن يعي كذلك ما توارثه من معتقدات، ومحاولة وضعها موضع المساءلة، لمراجعتها. والوعي أنه ولد في نظام معين لم يكن لديه فرصة اختياره، ومع الوقت نرى الأمور حولنا أو الحياة بقوانينها وأسرارها من منظور أهالينا أولاً وأجدادنا ومُعلمينا في المدارس… وهكذا

اطرح على نفسك السؤال التالي: أنت تتلقى ما تتعلمه في سنواتك المبكرة من أهلك، وأهلك تلقوا ذلك من أهلهم وهكذا دواليك. تتبنى قناعاتهم المتوارثة أيضاً من أجيال سابقة ومنذ مئات السنوات حتى، تتبنى أراء أناس غرباء عنك لا تعرفهم بالأساس، وزمانهم يختلف عن الزمن الذي تعيش انت فيه، ومع ذلك تحمل اليوم معتقدات العصور السابقة. هل يناسبك ذلك؟

والإجابة عن هذا السؤال لا بدّ أن تناسب قناعاتك أنت، بشكل يناسب الهوية الحقيقية خاصتك دون أقنعة وتزييف، لتحقيق ذلك بشكل جوهري يعنيك ويناسبك أنت لا الآخرين. اشبع قناعاتك أنت لا قناعاتهم.

التعبير عن أرائنا بما يناسب البيئة هو درجة أولى، وتبدأ الدرجة الثانية عندما تمارس ذلك أيضاً في سلوكياتك بما يتناسب مع البيئة، تماماً مثل الطفل الذي يخاف العقاب في حال تمرده أو تصرفه بما لا يناسب أهله ومكافئته على سلوك معين يتناسب معهم او بيئتهم.  وينطبق ذلك على الفرد الناضج الذي يخاف أن يخسر امتيازاته في بيئته في حال تصرفه بشكل خارج عن المألوف وهذا ما يسمّى التحكم في السلوك. وهكذا نتبنى هوية لا تناسب هويتنا الذاتية الأصلية الحقيقية بل هوية تليق بالبيئة وتشبع رغبات الآخرين وليس الرغبات الذاتية. كل ذلك يؤدي لتكوين هوية مقنعة منقسمة؛ هوية ذاتية وهوية مبتكرة تتبع قيم أخرى غريبة عن الذاتية الحقيقة.

وان أردت فعلًا أن تكون ذاتك وتقدمها للآخرين كما هي، والخروج من الحالة المبتكرة للذاتية الأصيلة جّرب الخطوات التالية:

  • التحلي بالشجاعة لمجابهة كثير من الصراعات والنقاشات أو الحوارات، مع خسارة لبعض الامتيازات التي لا بد لك أن تتوقعها.
  • أن تكون صريحاً مع نفسك، اسألها: من أنا وما الذي أريده، المسألة تبدأ بك وعندك، تعرف على نفسك، نقاط قوتها وضعفها، حتى لا تضع لنفسك الأهداف الخطأ وتسير في طريق لا يؤدي بك لما تريده حقاً. يجب أن تتقبل نفسك كما هي وتحبها.
  • توقف عن تحديد مساراتك تبعاً لمصادر خارجية مثل الحصول على محبة ورضا واعتراف الآخرين بك، أو كرد فعل على أمور حدثت في ماضيك وتركت آثار سيئة في حاضرك. فهذا يقودك لاتخاذ قرارات ليس لها علاقة ببوصلتك الداخلية.
  • قم بالأفعال التي تعبر عن قيمك الذاتية ومعتقداتك أنت، كن مخلصاً لك أنت ولمشاعرك الحقيقية.

وكن على ثقة أن هناك فعلاً شخصيات حقيقية تقول وتمارس ما يناسب مفهومها عن الهوية الحقيقية وهم أقلية ولكن حياتهم أسهل، وشعورهم وتقديرهم لذواتهم أعلى، فلمَ لا تكون أحدهم!!

ميسون زغيب. كاتبة فلسطينية مقيمة في ألمانيا

اقرأ/ي أيضاً:

تكوين الهوية الجنسية لدى الأطفال
“الهوية الوطنية” الإشكالية المتجددة
اسمي أبيض..
بلا جنسية.. Staatenlos

تأثير فيروس كورونا على الدماغ

تأثير فيروس كورونا على الدماغ والجهاز العصبي.. أعراض مثيرة للقلق

ضحايا كورونا في نيويورك

عدد ضحايا كورونا في نيويورك يتجاوز ضحايا المأساة الأشهر بتاريخ الولاية الحديث