in

لماذا لا نستطيع بناء الواقع وفق أفكارنا الحداثوية المعلنة؟

اللوحة للفنانة مروة النجار
سمر أبو عمار.

الابن والابنة في مجتمعنا ينشأان وهما مصدقان “الكذبة الكبرى” في أن هدف الآباء متمركز حول سعادة أبنائهم -أي هم- وعندما يصبحان في عمر الشباب يفرض عليهما آباؤهم طريقة الحياة التي يرون سعادتهم هم بها، فيتحول هؤلاء الأولاد إلى وسيلة يستخدمها الأهالي ليتباهوا بها ويتفاخروا في مجتمعهم وبيئتهم، غاضين النظر عن التعاسة التي جذّروها في أرواح أولادهم!

يتنطع كثير من المثقفين والعلمانيين بأنه لا فرق لديهم بين البشر سوى بالتعامل، ولا يهمهم الانتماء الديني للشخص الذي يتعاملون معه، وإلى آخر هذه الادعاءات التي يصدقون أنفسهم بها، وأنهم مع الحرية الشخصية ويناضلون في سبيل تحقيقها والحصول عليها، فتأتي، ابنة أحدهم لتخبر أبيها أو أخيها أنها وقعت في غرام شاب من طائفة أو دين مختلف، فتقوم القائمة والرفض والتجريم والتحريم وفي أفضل الحالات يقول لها أنت حرة بتصرفك لكني مضطر للتبرؤ منك أمام المجتمع وأمام العائلة حتى لا أخسر مكانتي الاجتماعية، وحتى لا تحذو بقية بنات العائلة حذوك!

يخرجون في مظاهرات، يواجِهون أبشع وأصعب أنواع الاستبداد والتعذيب والقتل وهم يهزجون بشعارات الحرية، وعندما يسمعون بأن أختهم مثلاً، تريد أن تقوم بأمر ما خارج عن الإطار التقليدي الذي مكنه الاستبداد في حياتهم أصلاً، يضربونها ويحبسونها ويدافعون عن أنفسهم بأنهم لا يواجهون الموت من أجل أن “تفلت نسائهم” وإنما خرجوا من أجل الحرية!

يقيمون الندوات والمحاضرات الثقافية المحملة بالأفكار الرائعة، والتحليلات البنّاءة، والقيم الخلّاقة والتعابير البرّاقة، ويقدّم الحضور بمداخلات قيّمة وتساؤلات ذكية، وترتفع هرمونات الحماسة الفكرية لدى الجميع، فيبدأ مديح الجميع للجميع، وتوزع الاحترامات والتشكرات، والتعبير عن الامتنان لما أغنى بعضهم البعض، ثم فجأة يرمي أحدهم بحجر صغير في المياه الراكدة العفنة للبيئة الحقيقية التي نشأ بها كل هذا الجمع من خلال سؤال بسيط، يتضمن مثلاً تساؤلاً حول قصة مستهجنة عن نساء جماعة أو طائفة ما، فيخلع الجميع البزّات وربطات العنق، وتظهر العباءة البدوية القبلية، ويشهرون أسلحتهم البذيئة. ولا تنسى النساء أيضًا دورها بالزغاريد لإثارة الحمية لدى الرجال، ليستبسلوا بالدفاع السخيف والمقزز عن نساء جماعتهم وعن رجولتهم. وينتهي الأمر بما يشبه التكفير “الحداثوي” من الجميع للجميع.

أين الخطأ؟

هم فعلا تعجبهم الحداثوية، ويميلون لها، بل يمكن أن يموتوا في سبيلها -كما هم واهمون- ولكن هذا الهمجي القابع داخلهم كيف يلجمونه؟ كيف نلجمه؟ كيف نستطيع البناء بأفكار وهمية؟ كيف نقنعهم أولا أنهم واهمون وغير حقيقيين؟

هي الثورة، فقط الثورة التي تكشفهم ليس فقط أمام الغير، بل الأهم: أمام أنفسهم، ولا أمل منهم ولا بناء ممكن عليهم.

الأمل محصور فقط بالجيل الجديد الذي عاش كل فضائح تناقضاتنا، أما نحن، نحن جميعًا دون استثناء، مجرد مرضى عابري سبيل نشحذ الأحلام والأوهام من دمائنا لمهدورة في جنبات الوطن والبحار.

مدوّنة المرأة: متلازمة صرنا عالباب

كورال حنين.. الغناء كفعل مقاومة للموت