in

أعطني لاجئًا!.. في نقد العقلية التعليمية وثقافة المساعدة

By: Dörthe Boxberg

رامي العاشق

في ظل موجة اللجوء الكبيرة هذه، والتي يراها اليمينيّون خطرًا على اقتصاد ألمانيا وكيانها، حيث تفتح ألمانيا بابها لمجموعة كبيرة عاطلة عن العمل وتعيش على المساعدات من دافعي الضرائب، ظهرت موجة مناقضة لهذا الطرح، خلقت فرص عمل كبيرة للألمان، وفتحت خطوط عملٍ جديدة لم تكن على خارطة السوق الألمانية، وأعادت للمنظمات دورة حياتها بمشاريع جديدة تخص اللاجئين، خاصة في مجال “تعليمهم، ومساعدتهم على الاندماج”.

ربما لا نعرف تحديدًا كمّ المبالغ التي قدمتها المؤسسات في مشاريعها للمموّلين، ولا نعرف كمّ المموّلين الذين تخلصوا من عبء الضرائب في مشاريع “خيرية” لمساعدة هؤلاء “الفقراء المساكين” الذين يعانون هنا، ولا نعرف أيضًا عدد فرص العمل التي افتُتِحت مؤخرًا في ميدان اللاجئين، ولا نعرف شيئًا عن ملامح السوق قبلنا وبعدنا، ولكننا نعرف أن كل هذا كان باسمنا، نحن “الوحوش المخيفة” لجيوش اليمين، و”الفقراء المساكين” عند أرتال المتعاطفين، و”السوق الجديدة” لدى قطاع كبير من المنظمات “غير الربحية”.

لنتفق أن المشكلة ليست في المشاريع التي تُعنى باللاجئين، بل في ثقافة “المساعدة” التي لا تكون إلا من طرف واحد قويّ ومقتدر، لصالح طرف آخر ضعيفٍ ومحتاج، والتي تحتّم على متلقي المساعدة أن يبقى كذلك، لا تمكينه ليصبح فاعلاً وبالتالي ستزول هذه الثقافة، وهذا ما يحصل مع اللاجئين في مخيّمات الأردن ولبنان وتركيا، حيث يمنعون من العمل، وتعمل المنظمات الدولية على تقديم المساعدة لهم، وفي حال قدرتهم على الفعل النديّ، سيكون ما من داعٍ لوجود منظمات إغاثيّة دولية، وبالتالي، ستتوقف الدول المانحة عن تمويل هذه المنظمات!. ثقافة المساعدة هذه، فرضتْ ثنائياتٍ غريبةٍ، صنّفت الناس إلى صنفين: قوي/ضعيف، عالم/جاهل، متحضر/متخلف، غني/فقير، مفيد/مستفيد، منتج/مستهلك.. إلى آخره. هذه الثقافة التي صنفت اللاجئين على أنهم مستفيدون، ومستفيدون فقط، لا شركاء ولا أنداد، هي لب المشكلة، فالتعامل ضمن هذه الثنائيات، يفرض بالضرورة عقلية تعليميّة تسيطر على المشهد، عقلية تفترض أنها أعلى وأقدر وأقوى وأكثر معرفة من هؤلاء القادمين من العالم المتخلف، ولا نجزم أنها كانت دائمًا بهذه الغاية، ونجزم أن كثيرًا من الألمان كانوا يعملون بنيّة طيبة بهدف المساعدة، إلا أننا نجزم أيضًا أن عقلية المساعدة والتعليم التي تستند إلى الثنائيات تلك، هي من جعلت الأمر يصل إلى هنا.

تقول لي صديقتي الألمانية: “العقلية التعليمية ليست فقط مع اللاجئين، هي أسلوب حياة منتشر، يكفي أن تملك أي مشكلة، وربما تكون قد حللتها، لكنك تريد الحديث عمّا حصل معك بالأمس، كأن تقول إنك قد أضعت مفتاح بيتك، لترى العديد من التعليقات التي تريد أن تعلمك ما تعرف، وتوجهك، وتنتظر الفرصة فقط!”

مشاريع كثيرة، برامج تلفزيونية، مواقع إلكترونية، كتيّبات تعليميّة، مهرجانات بالجملة، مؤتمرات بالجملة، كل هذا كان يتحدّث عن اللاجئين، لا معهم، ولا يستمع لهم، فالعقلية التعليميّة تفترض أنها تعرف عنك أكثر منك، وتقدّر حاجاتك أكثر منك، حتّى حين يتم الحديث عن ثقافة اللاجئين، يتم الحديث عن ثقافة مسلّية لا أكثر، وتعتمد على مبدأ “أعطني لاجئًا” التي عنونت به المقال، وهو أمر منتشر اليوم في “العقليّة المؤسساتية الألمانية” إن صح التعبير، على سبيل المثال لا الحصر: يقام مهرجان للاجئين في مكان ما في ألمانيا، تشارك فيه أعداد كبيرةٌ من اللاجئين، ويقدّم هذا المهرجان صورةً –ستعمّم لاحقًا- عن اللاجئين، فتطلب المؤسسات الألمانية مشاركة “المواهب اللاجئة” لتقديمها للجمهور، ولا تشترط الاحتراف، المشاركة هي المهمّة، الاحتراف ليس للاجئين بل محصور بغيرهم، فتعرض فيلمًا ما، أو مسرحيًة ما، لا تستند إلى أدنى درجات العمل الفنّي، ولكن ذلك لا يهمّ، المهم أننا أحضرنا لاجئًا وعرّفنا به، عقليّة “أعطني لاجئًا” هذه، تتعامل مع اللجوء كهويّة لا كحالة مؤقّتة يمر بها الإنسان بسبب ظروف قاهرة اضطرته لأن يكون لاجئًا، إذ إننا لم نكن فنّانين أو مبدعين في بلادنا. هويّتنا اللجوء، ولسنا أطبّاء، أو شعراء، فنانين أو متعلّمين، قبل أن نكون لاجئين، فلذلك، ليس مهمًّا بالنسبة لهم أن تقدّم فنّا جميلاً أو إبداعًا محترفًا يعكس ثقافة بلدك الحقيقة، بل المهم أن يشارك لاجئون ليقول المنظّمون “أحضرنا لاجئين”، وبالتالي ليسوا بحاجة لتقييم الجهد واختيار لجان فنيّة أو أدبية لتقيّم هذا العمل أو ذاك، فبذلك سيضطرون إلى اختيار اللجان من فنّانين وأدباء وخبراء من اللاجئين أنفسهم، وهذا ليس في العقلية التي تعرف كلّ شيء عن كل شيء.

هل تحلم بحديقة صغيرة خاصة في وسط المدينة وبسعر رمزي؟! إذن تعرّف معنا على حديقة شريبر Schrebergarten

اندمجت؟؟؟