in

يوم المعتقل الإرتري

أحمد شيكاي.

ينشغل معظم النشطاء الإرتريين، سياسيين ومدنيين وإعلاميين في يوم 14 من أبريل، بالمعتقلين الإريتريين. تذكيرًا للإرتريين وغير الإرتريين ليتضامنوا مع المعتقلين وأسرهم، وتأتي خصوصية هذا اليوم لأنه شهد حملة اعتقالات واسعة، وتدشين عهد جديد من التنكيل بالشعب الذي سيستمر لأعوامًا قادمة، في أكثر من مدينة إريترية وفي وقت كان الشعب الإرتري في قمة إحساسه بالنصر والمساعي الحثيثة لتضميد جراحات النضال ومرارة ثلاثين عامًا من الفقد والحرمان.
حملة الاعتقالات هذه أقتصرت على طليعة المجتمع الإرتري المسلم وخاصةً المثقفين منهم وعلماء الدين ومعلمي المدارس الناطقة بالعربية. حكومة الجبهة الشعبية حينما أقدمت على هذه الخطوة كان الغرض منها كسر شوكة المسلمين في إرتريا ومنع تقدمهم وحجزهم لأماكن متقدمة في الدولة، ولأن معظم الذين تم اعتقالهم في هذه الحملة هم معلمو مدارس ومثقفون، فكان خطرهم يتعداهم هم، لخلق جيل جديد مثقف واع ومدرك لأهمية مستقبله ودوره، لذلك رأت فيهم حكومة بلادهم خطرًا جسيمًا يجب استئصاله.

حدثت حملة الاعتقالات هذه بُعيد الاستقلال بشهور قليلة، مع صمت رهيب لمن لم يمسهم سوء الاعتقال بشكل مباشر، ثم تلتها حملة أخرى بعد أقل من عامين لتستهدف ما تبقى من نفس الفئة والمكون الثقافي.

وككل الديكتاتوريات، كلما طال أمد حكمها، انكمشت على نفسها وطالت يدها كل من لا تحس أنه يشبهها، لتطال في العام 2001 نفس حملة الاعتقالات شخصيات متقدمة في الدولة الإرترية من وزراء ودبلوماسيين وصحفيين، وكان ذنبهم أنهم طالبوا بخلق دولة إريترية تشبه الشعب الإرتري، دولة حريّة وعدالة وقانون، دولة تشبه تضحيات هذا الشعب المعطاء.

ثم تلتها حملة اعتقالات واسعة في نهاية العام 2005 لتشمل أيضًا شخصيات معروفة ومؤثرة في المجتمع الإرتري ويغلب على ضحايا هذه الحملة أيضًا، نفس المكون الثقافي آنف الذكر.

وأخيرًا حملة واسعة النطاق في مطلع العام 2013 على خلفية محاولة انقلاب على السلطة لم تكلل بالنجاح، راح ضحية هذه الحملة كل من يشك أنه على علاقة بمنفذي العملية الانقلابية، التي وصفها النظام اٌلإرتري يومها بالعملية الإرهابية المدعومة من جهات خارجية وشملت آخر من تبقى ويدعم التنوع الشكلي من قيادة التنظيم الحاكم والوحيد في البلاد.

shekay

الان، بعد مرور 25 عامًا من حكم الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا سابقاً “الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة” -الاسم الحالي-، يواجه الشعب الإرتري في إرتريا واقعًا لا يمكن أن يخطر على بال إنسان معاصر، ولم يتوقع المواطن الإرتري أن تصل بلاده حافة الضياع والتلاشي بعد كل هذه التضحيات الجسام، وحرب التحرير التي دامت ثلاثين عامًا، حصدت آلاف الشهداء وخلّفت أعداد مهولة من الجرحى ودمارًا في الأرض والبنية التحتية، وتهجيرًا للإنسان، والذي مازال السواد الأعظم منه لم يعد حتى اليوم، لأن السلطة الوطنية التي ورثت الاستعمار، لديها من أساليب التمييز والقهر ما يشابه أسلوب المستعمر الذي هرب منه المواطنون.

ما يجعل من قضية المعتقلين في إرتريا من أمهات القضايا الوطنية، أن الاعتقال يتم بشكل تعسفي وخارج أطر القانون، ومما تجدر الإشارة اليه هنا، أنه لا يوجد دستور في إرتريا، وأن البلاد تحكم بقوانين يضعها الديكتاتور وهي غير معلنة في كل الأحوال، ومؤخرًا متى ما ظهر الرئيس الإرتري في التلفزيون يعد الشعب بالدستور القادم، مع الإشارة إلى أن التلفزيون الرسمي هو القناة الوحيدة في البلاد بجانب صحيفة وحيدة “لسان السلطة المستبدة” تصدر باللغتين الرسميتين في البلاد: اللغة العربية واللغة التجرينية، والأولى مهددة بالانغلاق لانعدام قُرائها، لأنهم بين مهجّرين ومعتقلين ومن تبقى هو ضحية الثقافة الأحادية التي يتبناها النظام الحاكم للبلاد.

يمكن أن يواجه المواطن الاعتقال التعسفي في أماكن غير معروفة ولأسباب غير معلومة، ويواجه هذا الواقع بكل بساطة وبصورة يومية، وأسر المعتقلين واحدة من أعظم مصائبهم، لايعرفون تهمة ومكان أبنائهم، وفي حالات نادرة تم تسليم جثامين بعض المعتقلين وطلبت منهم السلطات دفنهم بطريقة غير رسمية كما هي العادة لدى جميع البشر، والحالات البسيطة التي تم الإفراج عنها، معظمهم فاقد للذاكرة أو مصاب بأمراض نفسية، لفرط التعذيب والظروف اللاإنسانية التي كانوا معتقلين فيها.

في إرتريا يعتقل المواطن العادي، لأنه هرب من الخدمة الوطنية غير المحددة بمدة زمنية، ويعتقل إذا شك في أي انتماء له خارج انتماء السلطة، بل تلزمه الدولة أن يعلن عن انتماءه المطلق للسلطة، وأن يبارك كل ما تقوم به، وملزم أن يغض الطرف عن ممارساتها السلبية، بل أن يبررها في كثير من الأحيان، لذا عادةً، كثير من الإرتريين يتحاشون كل ما من شأنه أن يجمعهم بالحكومة في أمر مشترك، ولذلك تواقون للحصول على أي وثيقة سفر أو هويّة غير الإرترية حتى تباعد المسافات بينهم وحكومتهم.

ومع كل هذا يمكننا القول إن الشعب الإرتري، ونشطاءه السياسيين والمدنيين والحقوقيين، يقفون بكل ثقة واقتدار إلى جانب الحق المطلق، في العيش بكرامة وحرية، والانعتاق من الحكومات المستبدة، وتفويت فرصة التفريق بين أبناء الشعب الإرتري التي يتبناها النظام الديكتاتوري، كما أن التضامن مع المعتقلين هو واجب إنساني يمليه الضمير الإنساني، بغض النظر عن خلفية المعتقل الدينية أو الثقافية، بما أنه اعتقل خارج القانون.

كلما يأتي هذا اليوم نذكر أنه لا شيء أسمى قيمة من الإنسان نفسه بما يتعلق بالوطن، فلنجعل هذا اليوم يومًا إنسانيًا مطلقًا، ونسعى أن نكون الضوء الذي سُرق من عيون المعتقلين، كل القضايا التي هي محل خلاف مع النظام آتٍ أوانها، ولا شك، وهذه النتيجة الحتمية لصراع الحق والباطل، ولكن قضية المعتقلين الإريتريين هي قضية إنسانية ملحة، وهي من أمهات القضايا الإريترية.

منتخب سوريا الحرّة يشارك في بطولة أوروبا المفتوحة للكاراتيه

اللغة العربية داخل المدارس الألمانية أمنيات رومانسية أم حاجة أساسية لتحقيق سياسة الاندماج