in , ,

المجتمع الجديد والقادمون الجدد: جدلية المعوقات والحلول

يوم سوري في مدينة هام مع منظمة هيومان ريستارت Human Restart

تغطية وتصوير: أحمد الرفاعي*

باسم منظمة “هيومان ريستارت Human Restart”، الإنسانية المستقلة للعلوم والتنمية، افتتح السيد “يوسف اليوسف” يوم الفعاليات في مدينة هام Hamm الألمانية، حيث تحدّث عن تاريخ المنظمة الحديث نسبياً، حيث أنشأت في العام 2014، وعن عملها في مناطق عديدة كالعراق وتركيا وشمال سوريا، خصوصاً مع أطفال اللاجئين السوريين على صعيد التعليم، وفي باريس، حيث شاركت في إنشاء مكتب الحقوق والحريات التابع لها، وها هي اليوم تبدأ باكورة نشاطاتها في ألمانيا، في مدينة هام وإيسن على وجه الخصوص، آملة أن تنشر العلوم والتربية والتوعية وتساهم في تنمية المجتمع مع العرب والألمان على حد سواء.

هذا ما أكّده أيضاً السيد “مولر” رئيس قسم الاندماج في بلدية هامHamm، حين تمنى النجاح للمنظمة في كلمته، وذلك بعد رحلة تعب طويلة، كما تمنى أن تكون جزءاً من مجتمع المدينة، ليعرّج من هنا على مفهوم “الاندماج” فيوضّح أن تعدد الثقافات لطالما كان أمراً هاماً في مدينة هامHamm، حيث هناك جالية عربية وكردية كبيرة، لكن الأهم أن يندمج القادمون الجدد مع المجتمع الألماني.

كيف نجحنا في المجتمع الجديد!

فعاليات اليوم السوري التي كانت باللغتين الألمانية والعربية تنوّعت بين محاضرات ولقاءات وتكريمات، وكان اللقاء مميزاً مع سوريين ناجحين أثبتا وجودهما في المجتمع الألماني الجديد، كالدكتور “حازم سكر” 37 عاماً والذي حاز على إجازة في الطب من جامعة مونستر، ومن ثم الاختصاص من مستشفى سانت باربرا في هام Hamm، وهو اليوم يعمل كطبيب استشاري في المستشفى نفسه.وقد أكد في حديثه للجمهور أن أولى تحدياته في البلد الجديد كانت اللغة، فهي المفتاح والسلاح في ألمانيا، وعلى كل قادم جديد أن يسعى لتعلّمها. كما قال: “إن الألمان شعب عملي حين تثبت جدارتك كوافد جديد لا يرونك أجنبياً بل تفرض احترامك عليهم”. كانت نصائح “د.سكر”للشباب السوري في ألمانيا تتلخّص في ثلاث: أولها عدم اليأس حتى لو فشلوا مرة ومرتين فليكملوا الطريق ويجرّبوا مرة ثالثة باتجاه النجاح، وثانيها أن لا يتوقفوا عن تعلّم اللغة فهي أمر تراكمي، وأن يحدّدوا ثالثاً أهدافهم بشكل واضح ويسعوا لتحقيقها. وقد أصرّ “د.سكّر” على أن الجزء الأكبر من المجتمع الألماني غير عنصري، وماالجزءالعنصري منهم إلا صغير وموجود مثله عند كل شعوب الأرض، والأهم أن نحرص على التعامل مع الغير ضمن القانون الذي هو الشيء الأهم في ألمانيا.

أما المهندسة “نور طالب” 31 سنة، والتي استطاعت خلال سنتين أن تعادل شهادة الهندسة خاصتها وتتعلّم اللغة وتمارس مهنتها في مدينة دورتموند، فقد أكدت أنها كانت تعتقد بأن الألمان سيرفضونها باعتبارها امرأة مسلمة ومحجبة، وأن الأمر سيكون عائقاً أمامها في العيش والعمل في البلد الجديد، ولكن الأمور جرت بطريقة مغايرة! فتواصلها مع الألمان، انفتاحها عليهم ومعاملتهم باحترام وحب، جعلهم يتقبّلونها ويبادلونها الاحترام والمودة. وأردفت قائلة، قبل أن تكّرمها المنظمة مع د.سكر، بأن الوافد الجديد عليه أن يتمسك بثلاثة ثوابت هي اللغة، فهي الطريقة الوحيدة لإيصال الأفكار، والتواصل مع الآخرين، ومن ثم الصبر.

تحدّث أيضاً في السياقذاته، ومن ضمن عنوان عريض: “اصنع نجاحك”، كل من “آلاء نعمة” و”يوسف اليوسف” عن تجاربهما ورؤيتهما للنجاح في عيش المجتمع الجديد، فـ”آلاء نعمة” 21 عاماً كلّمت الجمهور عن تجربتها الصعبة في بداية قدومها إلى ألمانيا، بدون لغة وبدون سابق معرفة بالثقافة الجديدة. لكنها بحثت وراسلت الكثير من الجامعات، واضطرت لأن تقوم بتدريب على الفلاحة، الأمر الذي لم يكن حلمها يوماً، ولكن على المرء أن يقوم بتنازلات، كما عبّرت، وألا يبقى عالة على المجتمع الجديد. ورأت بأن العنصرية آفة موجودة في كل مكان، هنا وفي العالم العربي، وهذه للأسف طباع بشرية عامة وعلينا ألا نجعل انتماءاتنا وخصوصيتنا، سواء كجنسية أو كحجاب، عائقاً في وجوهنا لتحقيق ما نريده، وأن نعتاد على مفهوم الأخذ والعطاء، وأن نسعى لاستغلال الفرص الكثيرة المتاحة هنا.

أما “يوسف اليوسف” فقد دعى للمشاركة في البرامج التي تقوم بها المنظمة، كبرنامج إدارة وتطوير الأفراد، والبرامج التحفيزية لتحقيق الأهداف، ومعرفة نقاط ضعفنا وقوتنا، واستثمار نقاط القوة وإصلاح نقاط الضعف، وإن هذه البرامج سيعلن عنها على صفحة المنظمة https://www.humanrestart.org/

هل يأخذ اليوغندأمت Jugendamt أطفالنا منّا؟

من أكثر المواضيع التي أثارت اهتمام الحضور هي المحاضرة التي ألقاها السيد “جويل زومبوJoel Zombou” منسّق العمل مع اللاجئين والمتطوعين في الكنيسة البروتستانتية في مدينة أونا Unna، حيث تحدّث عن دائرة رعاية الأطفال والشباب اليوغندأمت Jugendamt وعن حق حماية الأطفال الموجود في القانون الأساسي الألماني Artikel6، والذي تضمنه اليوغندأمت حتى عمر 18 سنة وفي حالات خاصة حتى عمر 27 سنة إذا اقتضت الحاجة.

وهي تراقب حياة الأطفال في البيوت وتربيتهم والشروط الصحية اجتماعياً وجسدياً ومستوى التعليم، فعلى كل الأطفال الذهاب إلى المدرسة من عمر 3 سنوات وحتى إكمال الصف العاشر. وفي حال كان الأهل يعانون من مشاكل اجتماعية كالإدمان على الكحول أو المخدرات أو يعاملون أطفالهم بطريقة عنيفة للغاية فإن اليوغندأمت يأخذ الأطفال من الأهل ليتكفّل هو برعايتهم، أو إعطائهم إلى أسر جيدة ترعاهم وتهتم بهم.

لكن لا يمكن لليوغندأمت أخذ الأطفال من ذويهم إلا في حالات إثبات تعرّض الطفل للعنف أو الإهمال الشديد، وبعد التدقيق والزيارة مراراً وبشهادة الجيران إذا كان هناك صراخ شديد ودائم في المنزل أو اشتباه بتعرّض الطفل للعنف، أو أي مظاهر أخرى تثبت أن الطفل لا يعيش حياة صحية.

في البداية تحاول اليوغندأمت Jugendamt أن تهب الأهل المساعدة لتصحيح الأمر، فيما يسمى مساعدة العائلة Familienhelfe، أو المشورة التي تقدمها اليوغندأمت Elternberatung، وإذا لم ينجح الأهل في تقويم حياتهم وعلاقتهم مع أطفالهم، يؤخذ الأطفال ليوضعوا في رعاية أحد الأقارب المناسبين كعم أو خال، وإن لم يوجد يتم أخذهم إلى ما يسمى Heimerziehung أي ملجأ للتربية. أما في حال كان الطفل عنيفاً في المدرسة أو مع أقرانه فهذا لا يعني أبداً أنه يتعرّض للعنف في البيت، وإنما تدرس الحالة وحجم الفعل ورد الفعل.

أما الأهل الذين لديهم أطفال معاقين فينالون الكثير من المساعدة من قبل اليوغندأمتJugendamt، كالعناية الصحية المجانية أو شراء الأدوات الضرورية كالكراسي المتحركة وغيرها.

في نهاية تلك المحاضرة القيّمة طرح الجمهور الكثير من الأسئلة التي تتمحوّر حول وضع الأطفال السوريين الجديد والمربك في ألمانيا، وخصوصاً فيما يتعلّق بالمشاكل التعليمية والاندماج في المدارس وغيرها، وكانت نصيحة السيد “جويل زومبو” أن يتحلّى الأهل بالصبر والهدوء، وأن يحاولوا زرع فكرة الانفتاح في أولادهم، فنحن من ندفع أولادنا إلى قبول الآخر واحترامه، وأن لا يحضّوا أطفالهم على مجابهة العنف إن تعرضوا له بالعنف، بل يلجؤوا إلى القانون سواء في داخل المدارس أو خارجها.

كيف تنشئ مشروعك الخاص؟

المحاضرة المهمة الأخرى كانت للدكتور “ناظم جرجس Dr.Nazem Georges” وهو دكتور في الاقتصاد من مدينة مونستر، يملك خبرة في عالم المال والأعمال منذ العام 1990. وقد أعطى د.جرجس الكثير من النصائح للسوريين الجدد الذين يرغبون في إنشاء مشاريع خاصة بهم، كانت أولى تلك النصائح هي التفكير جيداً في أي مشروع نريد إنشاءه، أن تكون الفكرة واضحة وتناسب الإمكانيات التي نملكها، أن نقنع أنفسنا وعائلاتنا بالمشروع، فالمؤهلات الجيدة أساسية في نجاح أي مشروع.

ثم بالدرجة الثانية تأتي خطة العمل Businessplan التي تتضمن مكان المشروع وشكله القانوني (عمل فردي أو مشترك) وجدواه الاقتصادية وغير ذلك من التفاصيل، ثم ننتقل إلى الخطوة الثالثة التي هي إيجاد تمويل للمشروع، والذي من الممكن لبرامج الدعم في الجوب سنتر أو البنوك أن تلبيه بشرط إقناعها بتميز المشروع وإمكانية نجاحه وجديته، وهذا الأمر لن يحدث ما لم نكن نحن مقتنعين بجدوى مشروعنا وإمكانية نجاحه.

الخطوة الرابعة ترتكز على الأمور القانونية والإدارية، التي يجب علينا أن نكون حريصين عليها، أي إخبار الجوب سنتر أو الجهات المعنية لأخذ الموافقات اللازمة، هذا الأمر الذي بمستطاع دائرة الأعمال الحرة المساعدة فيهFreiberufler، كما من الممكن لنا أن نفتتح مشروعاً صغيراً مؤقتاً Nebenberuflich لاختبار أنفسنا ومشروعنا ومن ثم نوسّعه ونعلنه في حال نجاحه مشروعاً أساسياً Hauptberuflich.

في نهاية يوم الفعاليات وقبل وليمة الطعام السوري تم تكريم عائلة ألمانية هي عائلة Weselmann والتي عملت على مساعدة اللاجئين السوريين كثيراً في مدينة هام Hamm.

أحمد الرفاعي، صحفي ومصور سوري من فريق أبواب

اقرأ أيضاً:

ألمانيا… وطن بديل

القادمون الجدد والمهاجرون القدماء.. أزمة الحاضر والماضي 1

القادمون الجدد والمهاجرون القدماء… أزمة الحاضر والماضي 2

هل يمكن أن تصبح ألمانيّاً؟ … أسئلة حول واقع الاندماج في المجتمع الألماني

مايحدث لأطفال اللاجئين في اليونان وصمة عار على جبين أوروبا

اختبار اللغة هو مدخلك الأول للانضمام للجامعة… وهنا ما تحتاج لمعرفته للنجاح