in

أدب من سوريا – بداية في مجتمع جديد

تصوير رامي العاشق

تلعب مدينة كولونيا الألمانية دورًا محوريًا في قضيّة للاجئين، فمنذ عام 2015 سجّلت المدينة أكثر من 13.500 لاجئًا سكن فيها، وبناء على أرضيّة التنوّع الثقافي الموجودة في المدينة، تم الإعلان عن مهرجان “أدب من سوريا – بداية في مجتمع جديد”

التظاهرة الثقافية التي جمعت كتّابًا سوريين وألمانيين في محطة إطفاء الحرائق القديمة “Alte Feuerwache” للتأكيد على التنوّع الثقافي، ليس فقط بين الكتّاب الضيوف، بل بين الجمهور أيضًا.

في الأيام 8، 9، 12 من نيسان المنصرم، أقيم مهرجان “أدب من سوريا”، وقام بتنظيمه الآثاري السوري جبّار عبد الله، أحد الناشطين المعروفين في المدينة بتمويل من سبع مؤسسات منها مدينة كولونيا، بحضور كبير ألماني وعربي مهتمّ بالأدب والثقافة.

تصوير رامي العاشق

 

موسيقا وأدب

استضاف اليوم الأول بعد فقرة موسيقيّة مع العازف حسام إبراهيم، كلّاً من: “إبراهيم الجبين، محمد المطرود، جبار عبد الله، وهارالد كلاين” قرأ فيه الكتّاب نصوصًا أدبيّة من أعمالهم، وقرأ النسخة الألمانية منها الممثل المسرحي توماس كروتمان، فقرأ الكاتب والإعلامي السوري إبراهيم الجبين مقاطع من روايته الأخيرة “عين الشرق”، بينما قرأ الشاعر والناقد السوري محمد المطرود نصًا سرديًا من روايته القادمة بعنوان “شرك الحواجز”، كذلك قرأ جبار عبد الله من كتابه “الرقة على الراين”، أمًا هارالد كلاين، فقد قدّم عرضًا مسرحيًا عن الشرق وقد ارتدى فيها زيًا تقليديًا عربيًا على خلفيّة تحمل صور كثير من الألمان عن الشرق، وكأنها من خيمة من البادية.

قامت الصحافية والمترجمة الألمانية لاريسا بيندر بإدارة الجلسة فيما قام فراس لطفي بالترجمة الفورية.

 

الشاعر محمد المطرود \ تصوير رامي العاشق

قفزة موفّقة

وعن رأيه في المهرجان يقول الشاعر محمد المطرود: “ميزة المهرجان هو أنّهُ كانَ أشبَهُ بمختبر، وفّقَ بين قارئين ألماني وعربي، بل استطاع كسبَ قارئٍ مختلفٍ وبزخمٍ كبيرٍ، تبيّن ذلكَ من التفاعلِ الواضحِ معَ أغلب النصوص، وكان هذا محاولة ندية للقارئ وللكاتب المختلف، وخارجَ إطار الحرب واستدرار العواطف بصور ممجوجة ومكررة، برأي هذه المحاولة قفزة موفقة، ليكون الأدب السوري مقروءًا بوصفه أدبًا لديه فعل المقاومة للتواجد، وليس (عرض حال).” وتابع: “لا أجدّ أنّ كل الاسماء تمّ اختيارها بعناية أو بدراية دقيقة بمنجزها وفعلها الثقافي، لكنّ الوجه العام للمهرجان كان واضحًا وميّالاً للجدية، أعتقد في مرات قادمة، ستكون الاختيارات أكثر ضبطاً، وسنتعرف إلى نصوص جديدة أكثر إدهاشًا لنا كمتلقين ولقارئ ألماني، وعموما هكذا احتفاءات وباللغتين تبقى الأقدر على المداومة والفائدة من نشاطات تتم باللغة العربية لوحدها”.

وعند سؤالنا عمّا قدمه له المهرجان ككاتب في المنفى أجاب المطرود: “بالنسبة إلي شخصيًا كان المهرجان فرصة جيدة، لأختبر نصًّا سرديًا طويلاً، وأقرأ عند قارئ آخر رأيًا، يصبّ في ساقيةِ رهاني على هذا المفصل الروائي، والذي يتجاوز الشعرية، لكنه لاينفكّ عنها”.

 

مقطع من نصّ الشاعر محمد المطرود “شرك الحواجز”:

“عدتُ لوحدي، تركتُ عينا يارا، ورغم النبوءة خفتُ، غيرَ أنَّ رغبةً حدَّ الألم، دفعتني، كما يدفع صاحب الحيوان حيوانهُ، وقلتُ لا أريد للفرحة التي سيتقاسمها بلد كاملٍ بزوالِ الطاغية أن تفوتني وألّا أحظى بها طازجة وأتنفسها في الشوارع وأحملَ الخوف اللذيذ. وصلت درعا فجرًا، أنزلني عناصر من أمن الدولة في المعبر، سلموني رسالة فيها موعد للتحقيق في الإدارة التي تتوسط دمشق وتثير الرعب في قلوب أكثر من 20 مليون سوري، في الطريق إلى دمشق رأيتُ خيمَ أهل الجزيرة الذين شردتهم سنين الجفاف والقوانين المعطّلة للحياة، فتناثروا حاملين اسمهم الجديد: “غجر الجزيرة”، كانت المسافة إلى أقدم مدينة عالمية، طويلة بفعل الحواجز النفسية والإسمنتية وهو ماعزز لديَّ شعورًا ضمنيًا بصوابية قرار العودة والدخول في حياة جديدة، يتلمس فيها الإنسان إنسانيته ويخلع عن روحهِ الدرن العالق بهِا من عقودٍ تبعت مجزرة سميت بـ “الحركة التصحيحية”، جاءت بمجموعةٍ من الخنازير البريةِ لتحكمَ بلدًا، وتسميَّ نفسها الدولة. وكما سقطتْ الدولة وصارت منظمة ربحية ومزرعة بعد مجيء حافظ الأسد، فإنَّ الدولةَ المزوّرة سقطتْ تحتَ وقع تلك الأصابع اللينةِ الخائفة وهي تخطَّ جملاً نوّمها السوري في سريرته كلَّ هذه السنين الطويلةِ من السجنِ الطويل”.

تصوير حازم صيموعة

اليوم الثاني

أما اليوم الثاني فقد استضاف كلّاً من: “عمر قدّور، لبنى ياسين، مصطفى علّوش، لينة عطفة، كريستيان لينكر، ورامي العاشق” قرأ فيه الكتّاب كذلك نصوصًا من أعمالهم، وقرأ النسخة الألمانية منها الممثل المسرحي توماس كروتمان، فقد قرأ الشاعر عمر قدّور نصًا سرديًا بعنوان “وأنت، ما علاقتك بأمك”، في حين قرأت الكاتبة لبنى ياسين نصّها “قمر واحد لا يكفي”، في الوقت الذي قرأ فيه الصحافي مصطفى علّوش “هناك حيث الخوف والرعب”، بدورها، قرأت الشاعرة السورية لينة عطفة قصيدتها “على هامش النجاة”، كذلك قرأ الكاتب الألماني كريستيان لينكر من كتابه “نداء الجهاد”، أما الشاعر رامي العاشق فقد قرأ قصيدته “ثلاث محاولات لأقول: أحبك”.

كذلك قامت الصحافية والمترجمة الألمانية لاريسا بيندر بإدارة الجلسة فيما قام فراس لطفي بالترجمة الفورية.

تصوير رامي العاشق

 

مقطع من قصيدة “على هامش النجاة” للشاعرة السورية لينة عطفة:

“الطّريقُ هوَ المشيُ

كنّا نظنُّ المياهَ طريقًا ولكنّها عدمٌ

واختبارٌ لما جفَّ من حظِّنا / هل سنطفو؟!

رمى البحرُ وهمًا.. نؤوِّلُ أحلامنا حولهُ

فتَبِعنا المكيدةَ حتّى نهاياتها

لم نكن أنبياءً ولا آلهةْ

ولا سمكًا، فغرقنا!

ألا أيّها البحرُ أرجعْ لنا ما أخذتَ

ويا أيّها العالمُ المتمدّنُ شكراً لأنّك زركشتَ قصّتنا

وصيّرتها فُرجةً في متاحفَ ما بعدَ بعدِ الحداثةِ

إنَّ الطّريق هوَ المشيُ، أقدامنا تعبتْ

فيئسنا وقلنا ستوصلنا الشاحناتُ

زنازيننا رافقتنا

وأشباحُ قاتلنا شهَقَتْ فاختنقنا، ومِتنا!”

جبّار عبد الله \ تصوير رامي العاشق

صورة نمطيّة

وفي تصريح خاص بأبواب، وعند سؤالنا عن آليّة الاختيارات وكيف تمّت، أجاب جبّار عبد الله: “أنا من اختار الأسماء باستشارة بعض الكتّاب”، وكان عبد الله قد ذكر في كلمته التي افتتح فيها المهرجان: “بالأدب نحارب الصور النمطيةً وبالأدب نتجاوز أصعب المشاكل والخلافات ونعيش بتقبلنا للآخر وتقبله لنا”. الأمر الذي قد يختلف معه أصحاب الرأي الذي يقول: “إن اختيار الكاتبين الألمانيين وما قاموا به يصبّ في خانة الصورة النمطيّة، حيث حضّر الأول مشهدًا من البادية باللباس البدوي، وهذه صورة رائجة عن العرب، فيما قام الآخر بالحديث عن داعش، وهذا أول ما يخطر في بال كثير من الأوروبيين حين تقول: سوريا”، إلّا أنّ جبار عبد الله يختلف مع أصحاب هذا الرأي ويقول: “حاولت أن أبحث عن كتّاب ألمان، تتحدث كتاباتهم عن الوضع السوري، وهذان الكاتبان مناسبان، وتربطني معهم علاقة، وهذا سهّل الأمر علي” ويتابع: “قد يظنّ البعض أن ما عرضه كلاين يمثل صورة نمطية، إلّا أنه قال منذ البداية إن هذا يمثل جزءًا بسيطًا ومعينًا من سوريا، وأنا شخصيًا أعرف هذه المنطقة وساكنيها وهم أشخاص بسيطون يعيشون بعيدًا عن المدن بعزلة ضمن إطار حياة خاصّة بهم”.

 

ليس هذا المهرجان الأول من نوعه، فقد سبقه العام الماضي مهرجان “القصيدة السورية” الذي نظّمه الشاعر محمد المطرود مع جبار عبد الله، وبحسب جبّار، فإنه لن يكون الأخير، “المشروع القادم سيكون في عدة مدن ألمانية وبمشاركات ألمانية وأجنبية” قال جبار قبل أن يختتم: “أود أن أشكر كل من ساهم بالمشروع وكل من قدّم دعمًا لإنجاحه، من سوريين وألمان”.

ألمانيا تمنح اللجوء السياسي لعسكريين أتراك

سحابة صيف