in

موشور الموت

PHOTOGRAPH BY ALEXEY TROFIMOV - national geographic

رغدة حسن.

في خضمِّ الفوضى التي تجنح لها الطبيعة، نجد إشعاعًا ناظمًا من قوانين التناسب، كما أننا نستطيع التنبؤ بكل شيء وقياسه بشكل حلقات إيقاعيّة، هذا ما قاله صاحب البشارة فيثاغورث: “الكون قائم على التناغم بين العدد والنغم”.

وكما قال غاليلو “الرياضيات هي اللغة التي كتب بها الله الكون” هل تحققت هذه المقولات في سوريا؟ تناغم بين نغم آلات القتل وتعداد ضحاياها!؟ الحلقات الإيقاعية الرتيبة والمنتظمة التي تحاصر المدن السورية؟ لغة الموت والقتل الجهنمي التي يكتب الله فيها الآن تاريخ سوريا؟ وأين الله الآن من كل هذا؟؟

أرض صنّاع الحياة الحاملين أقواس التاريخ، من ثقبوا فجوات في عمق الأزمنة واستحقوا جدارة الأبد. أرض الألوان الممزوجة بإيقاعات الحياة الكثيفة، ترف الحرف الأول الذي فتح للبشرية فضاء الاكتشافات الأولى، أرض الأسطورة والحكايات المكتنزة سحرًا، محج عشاق المعرفة. أرض آلهة البانتيون الأوغاريتي؟ هل تغلب عليهم “موت” واستباح هذا الثراء المعرفي والعمراني والبشري، ليحقق طموحه الأزلي في التغلب على الخصوبة والنماء.

أتى “موت” هذه المرة على متن الحديد الصلد، المصنّع في أروقة ساسة العالم، ليقضي على قمحنا المقاوم لليباب، موسيقانا العابرة للحدود، ألواننا المخبأة في شقوق الأوابد، ومنبت الشمس. “موت” المتسلح بموشور سحري، كهدية من سحرة اشتهروا باختراع مساحيق فتاكة، وأسلحة تغتال لون الفرح، ممتصًا أشكال الحياة وألوانها، عاكسًا لون الموت والخراب، ليصير هو اليقين المدرك، ويتحول الدم لمحبرة يخط بها السوري وصاياه.

وإذا استرجعنا رؤيا الإله “أيل” في الأسطورة الأوغاريتية، “سنرى أن بعل مازال على قيد الحياة، حينها ستعود خصوبة الأرض، وخير السماء، ويسيل عسل الوديان، أن بعل حيٌّ حقًا لكنه فقط في براثن موت، الموت، يأتي الخبر إلى عناة. وفي حالةٍ من الغضب العارم: تقبض على الإله موت/ وتشقه بشفرة/ وتهوي عليه بمجرفة/ وتحرقه بالنار/ وتطحنه بحجر الرحى”.

هذا النص الأسطوري المفعم بالمقاومة، مقاومة الموت ومفرداته وإعادة عجلة الحياة للدوران، هل يصلح أن نعتنقه مثالاً، لتجتمع من جديد آلهة أوغاريت في لغة واحدة ضد قانون الموت وسيادة القتل والإلغاء؟

أغلب العلماء والفلاسفة القدامى نجد في سيرتهم الذاتية أنهم زاروا أرض سوريا. هاموا عشقًا في أوابدها، واستلهموا منها أساسًا لمعارفهم، وتقاطعت فرضياتهم مع ما وجدوه من لقى فريدة في إرثها، وما يثبت صحة مقولاتهم. فهل ستتمكن آلهة أوغاريت الجديدة، التي ثارت لاسترجاع الحياة في سوريا، من صدّ هجوم موشور الموت؟

هناك مقولة متوارثة عبر الأزمنة، بأن الآلهة كانت تغني بشكل جماعي حتى تشكل جدارًا منيعًا يحمي عوالمهم ويستحضر الفرح والخصوبة، وقد نجد مفاتيحَ في هذه المقولة تقود “آلهة أوغاريت الجدد” للحل في وقف الموت في بلادنا.

ألمانيا.. جمال التقاليد الميلادية

بين الإله المفقود والجسد المستعاد