in

قنّاص ورصاصة ووردة

اللوحة للفنان شادي أبو سعدة

 د. مازن أكثم سليمان

 

(1)

مَنْ يصهَرُ الغيمة والانحرافات وهموم الأمكنة

تنبتُ في ظلاله حديقة

لا يجلسُ على مقاعدها

إلّا صباحٌ خائنٌ للأمس.

 

(2)

مِنَ المُظاهَرة الأولى إلى أوّل الضّوء: حكايةٌ مالِحة تضحَك!

 

(3)

القنّاصونَ يُربِّتونَ على كتفِ الخوف فينمو رخيًّا، ويتضخَّمُ إلى أنْ يصلَ طفلُ الرّيح (ألَمْ تعرفوه؟ طفلُ الرّيح الجديدة الذي كانَ يكنسُ دُموعَ الأزقّةِ بالدَّحل..): طفلُ الرّيح الذي يخِزُ فخذَ الخوف بدُبُّوس أحمَر فينكمِشُ رويدًا رويدًا، ويتقلَّصُ وتتشتَّتُ حُروفُهُ الثلاثة كُلٌّ في مَرمى نسيانٍ بديع.

 

(4)

أيُّها الخوف

لم ينتخبْكَ سوى فراغٌ يعرج

لا عصافيرَ تقفُ على الحِياد في أقفاصِها

حتَّى على الأغصان

تُخلخِلُ الزقزقةُ قوانينَ القتل.

 

(5)

مِنَ المُظاهَرة الأولى إلى أوّل الفَجر: مدىً بحاجةٍ إلى إسنادِ أناملِكِ يا نجمةً أبَتْ أنْ تُغادِرَ سماءَها نهارًا!

_هل ثمَّةَ مَنْ يراكِ..؟!!

 

(6)

القنّاصونَ كانوا صغارًا كأولاد حارتنا العتيقة، ورضعوا من حليب قوس قزح حكاياتٍ وصورًا شِعريّة، وظنَّهُم اللهُ خلفاءَ المَداراتِ الرَّحبة، لكنَّهُم تشظُّوا كزهرية كريستاليّة، وشطَروا معهُم الدَّلالةَ، قبلَ أنْ يُرمِّمَ  الآثاريُّ العنيدُ _وهوَ يُنقِّبُ في قلبِ الصُّخورِ_ ما استطاعَ مِنْ مِنْحَةِ الخَلْقِ المَفقودة..

 

(7)

بمُنتهى الصَّراحة أعترِفُ لكُم:

رأيتُ الحصانَ يحتضِنُ رصاصَتَهُ

أُقسِمُ بذلكَ..!!

إنَّ المطرَ يخدَعُ كثيرًا

إذا كانتِ الخمرةُ مُبَرْمَجَةً

على إيقاعٍ باذخٍ لصُكوكِ الإدمان الغَفورة..

 

(8)

الرَّصاصةُ عذراء حتَّى تستقرَّ في الظَّهر أو في الرَّأس..

فقدانُ البكارة هُوِيّة نداءٍ قبيحٍ إذا كانَ الجسَدُ سيُعرَّفُ بدلالة القتل!

الرَّصاصةُ وجودٌ بينَ القُوَّةِ والفعلِ لحظةَ الضَّغطِ على الزناد..

التَّصويبُ سواء أكانَ ناجِحًا أم مُخفِقًا تسويرٌ دؤوبٌ للأجنحة.

لكنْ أيضًا: هُناكَ جرّافةٌ ضوئيّةٌ ربَّما تهدمُ الأسوارَ كُلَّما سالَتْ مِنَ الجسَدِ سُلالةُ الذُّعر المأفون: _الحياةُ المُتردِّدة خطيئةٌ أصليّة يُزيِّنُها أحياناً الموتُ بولادة..

يا للسَّأمِ القذِر؛ هل أمتدِحُ الموتَ، ولا أدري..؟!!

 

(9)

تموتُ الثِّمارُ

أو يُقالُ عنها: إنَّها غافية.

وتسهَرُ الشجرةُ العجوز

على حراستِها.

 

 

(10)

لم تعُدْ الصُّوَر التّذكاريّة تصلُح لتخليد ما وراءَ أو ما فوقَ الخلود.

ما تحتَ السَّطحِ هوَ السَّطحُ مُؤوِّلاً نفسَهُ بمَنحىً مُغايِر.

 

(11)

ما يحدثُ يشقُّ جذرَ اللُّغةِ، ولا ترويهِ يدٌ ناطِقةٌ حتَّى تلفُظَهُ عينٌ كاتبة..

العلاماتُ تُعشِّشُ في فراغات المَعنى، والقَبْليُّ لا سُلطةَ لهُ على أساليب الرَّقص في الوجود..

 

(12)

إنَّنا أحرارٌ الآنَ

القنّاصُ ينتظِرُ فرائسَهُ

والرَّصاصةُ فقدَتْ حُدوسَها الهشّة

لأنَّ العقيدةَ غريزةٌ تتزيّا بالمعرفة

ونحنُ سنحتفلُ بعدَ قليل:

_ها أنذا أنتمي إلى الوَردة التي انشقَّتْ عن وصفي القديم البالي.

 

(13)

الأنا والآخَر بتلاتُ الوَردةِ التي أهمَلَتْ عبَقها الأنوفُ لعُقودٍ طويلة..

الأنا والآخَر عُبورٌ مَسكونٌ بالهَواجِسِ، واحتمالاتُ أنْ تؤوبَ الرَّصاصةُ إلى قنّاصِها حامِلةً (الوَردةَ _ الهديّةَ) ليسَ سوى جسرٍ فراغيٍّ تبخَّرَ منهُ المُجاز كماءٍ عتيد..

 

(14)

 

الأنا والآخَر دربٌ أيضًا

لكنْ مِنْ مَنشورات شُعراء غابرين

تغنُّوا بالمحبَّة والكَسَل السّارِي الأخّاذ

ولَمْ يُنصِتْ لهُم أحَدٌ في عُصورِهم.

 

(15)

الأنا والآخَر القهوةُ المَرشوشةُ على أطلالِ الشُّرفةِ الجريحة، كأنَّ المُستقبَل في جيْب هواءٍ مُشترَك قادِم..!!

 

(16)

الخلاصُ أصيصٌ يفكُّ أسْرَ أزهارِهِ وهوَ يبكي، وأبناءُ الغدِ صفعةٌ للمدنِ النّائمةِ في جِبْسِها خِشيةَ العُرِي والمَسير بلا بوصلة.

 

(17)

منذُ المُظاهَرة الأولى لم يستطعْ الزمنُ إرجاءَ فَجوةِ النّار..

كانَ لابُدَّ من تطايُرِ اللَّهَبِ، وكانَ لابُدَّ من العصيِّ في عجلات المُخيِّلة، وكانَ لابُدَّ أخيرًا: أنْ يُرمَى الزمنُ بينَ قوسَي المُكابَدة، كيْ تنهَبَ الحَناجِرُ والهُتافاتُ أرواحَها!

 

(18)

انتهَتْ سرديَّةُ الآثام البارحة.

 

(19)

فادِحٌ هوَ الاحتفاءُ بسوءِ الفَهم، والتَّعدُّدُ ارتيابٌ حُرٌّ يختلِفُ كُلَّما ائتلَفَ: فكَّرْتُ بذلكَ وأنا أُراقِبُ السَّيلَ يحجبُ سلالِمَ الإنصاتِ، ثُمَّ يكشفُ كامِلَ الطَّريق..

 

(20)

مِنَ المُظاهَرة الأولى إلى آخِرِ الأُفُق: سلامٌ يهبِطُ كملاكٍ على قبرِ فراشة.

ردًا على إيزابيل شاياني: الاندماج حاجة.. وليس عرضًا

لا أحدَ يصدّق حزني يا الله!