in , ,

متحجبات أو دون حجاب، والصراع ضد حجاب الفكر

ضاهر عيطة*

 

اجتمعت المخلوقات الوحشية والهمجية دفعة واحدة على الأرض السورية، ليست هذه لعنة من السماء، إنما هي لعنة خرجت من أشرار الأرض، متمثلة بنظام الأسد وطائراته وصواريخه، وتنظيم داعش وسكاكينه وسياطه، إضافة إلى عشرات المنظمات التكفيرية الزاعمة أنها حاملة وصايا السماء، وهي التي لا تدرك شيئا عن أسرار ورحابة السماء، إنما تسعى جاهدة لذبح الإنسان السوري، ابن الأرض، وإحالة كيانه ووطنه إلى شلالات دم، وكتل خراب ودمار.

آلاف النساء دفعن من أرواحهن وأجسادهن الشيء الكثير جراء هذا العنف الهمجي، فسحقت أحلامهن وشخصيتهن، ومورس بحقهن القتل والذبح والتعذيب والجلد، وانتهكت كرامتهن في السجون والمعتقلان على مدار خمس سنين، ناهيك عن تاريخ مثقل بالعبودية والقهر والظلم، ظل جاثمًا على كاهلهن طوال قرون، بحجة وصايا السماء.

وحينما لجأت المرأة السورية إلى ألمانيا، ظنت أنها ستعثر على كيانها وحريتها على أرض الحريات، ولم يخطر ببالها، أن سلطةً وعنفًا وقهرًا من نوع آخر، سيترصد خطواتها، من قبل بعض أقرانها الرجال الذين لجؤوا إلى ألمانيا، حاملين معهم نزعتهم الذكورية التسلطية، وهم الذين كانوا محرومين في دولهم الأصلية من ممارسة أدنى قدر من الحرية، وكأنهم جاؤوا إلى أرض الحرية ليحيوا من جديد سلطة قمعهم للمرأة، أكانت زوجة أو أختًا، ابنةً، قريبةً أو ابنة بلد، حتى وصل الأمر بهم إلى التمادي والاستهزاء بكيان هذه المرأة إذا ما أبصروها تسير في شوارع ألمانيا وقد تخلت عن حجابها.

بالمقابل، ثمة عقلية يتبناها مواطنون ألمان، لا تقل سلبية عن العقلية الأولى، وهي تساهم أيضًا في مصادرة حرية المرأة اللاجئة، التي اعتادت ارتداء حجاب، فينظر إليها أصحاب هذه العقلية نظرة متوجسة لا تخلو من الازدراء والاحتقار، وليس بالضرورة أن يكون أمثال هؤلاء منتمون  لتكتل سياسي يميني متطرف، بل نكاد نلحظ هذا حتى لدى بعض الفئات الألمانية المنتمية لتكتلات سياسية منفتحة على الآخر، وداعمة لمشروع اللاجئين. مما يعني، أن المرأة اللاجئة في ألمانيا، تعاني من قمع على مستويين، ومن قبل جهتين متناقضتين، جهة تتمثل في عقلية بعض اللاجئين الرجال والتي تنظر إليها إذا ما نزعت عنها الـ”حجاب”، على أنها عاهرة وفاسقة، ومتمردة على وصايا السماء، وأنها ما جاءت إلى ألمانيا إلا لتمارس فجورها على أرض الحرية، وجهة تتمثل في عقلية بعض الألمان، الذي يرون فيمن يرتدين الحجاب، كائنات إرهابية، أو يحملن معهن روح الإرهاب في أحسن الأحوال.

كلتا العقليتين تسيئان لمفهوم الحرية، التي هي ابنة السماء، وليست حكرًا على أرض دون أرض، وبالتالي تفقدانها معانيها وقيمها، وهذا يشكل خطرًا على مفهوم الحرية من أساسه، وبالتالي يحدث شرخا وتناقضًا كبيرًا.

تعمل الحكومة الألمانية والمؤسسات المدنية، على تشجيع اللاجئين على الاندماج في المجتمع الألماني، في وقت تجد فيه المرأة اللاجئة غالبًا صعوبة كبيرة في خوض تجربة الاندماج، وهي تلمح أن بعض من يراد لها الاندماج معهم، يمارسون تجاهها سلوك الازدراء والتوجس بوصفها خطرًا عليهم لمجرد أنها ترتدي الحجاب. ومثل هذا الخوف بالضرورة، سيغدو خوفًا متبادلًا، يؤدي إلى فقدان كلا الطرفين القدرة على نجاح عملية الاندماج.

بالمقابل، يشكل كثيرٌ من الرجال السوريين، تهديدًا وخطرًا على فكرة الحرية، التي خرجوا يطالبون بها في وطنهم، والتي كلفتهم دماء غزيرة وأرواحًا عزيزة، وتهجيرًا إلى أوطان ليست أوطانهم، أم لعل أمثال هؤلاء، لم يكونوا بالأساس يؤمنون بالحرية؟

عقليتان متطرفتان، تساهمان في جلد وذبح وصفع كيان وفكر المرأة، التي بالكاد أرادت أن تمارس حريتها بتلقائية، وبعيدًا عن الضغوطات الاجتماعية التي ظلت تعاني منها في وطنها الأصلي منذ نعومة أظفارها، غير أنها وجدت نفسها في ألمانيا بين فكي كماشة.

وفي هذا الصدد، من الضروري لفت انتباه المواطن الألماني صاحب عقلية الازدراء، إلى أن من تضع الحجاب على رأسها، والتي يتحاشى الاقتراب منها في مراكز التسوق والمؤسسات الحكومية والمترو ووسائل النقل العام، ليست إرهابية، وليست متخلفة عقليًا، بل لو اقترب منها أكثر، ربما  سيجدها طبيبة، مهندسة، معلمة، شاعرة، رسامة، كاتبة أو مربية، وإن كانت تضع الـ”حجاب”، إنما تفعل ذلك انطلاقا من قناعتها وحريتها الشخصية، وليس أبدا من تعصب ديني، أو ميل نحو ممارسة الإرهاب.

نعم، كان أولى بالثائر السوري الذي تظاهر في الشوارع والأحياء السورية، في سبيل نيل حريته، وقد لجأ إلى ألمانيا هربًا من بطش الأسد والمنظمات التكفيرية، أن يعي، أن المرأة التي تخلت عن حجابها في ألمانيا، إنما فعلت ذلك لأنها كانت في أرض القمع والدكتاتوريات، مرغمة على وضعه تحت ضغط سلطة الأب، الام، الأخ، الزوج، أو ربما تحت ضغط سلطته هو (الثائر)، هو الذي لم يستوعب حتى أن التحرر من قمع السلطات السياسية التي رح يطالب بها، سيتبعه بالضرورة، تحرر من السلطات الدينية والاجتماعية الذكورية، فكيف يبيح لنفسه أن يقيّم ويقيد حرية من خرجت معه إلى الساحات والشوارع لتطالب مثله بالحرية؟. أم لعلّ العقود الطويلة التي قضاها أمثال هؤلاء الرجال في دولة الأسد، حيث كانت حريتهم وحقوقهم الإنسانية محجوبة عنهم، لم تكن كافية لتجعلهم شغوفين بالحرية.

*كاتب سوري

 

مواضيع ذات صلة:

أشكال العنف ضد النساء -1- العنف القانوني

أشكال العنف ضد النساء -2- العنف الاقتصادي

أشكال العنف ضد المرأة -الجزء الثاني- العنف الجسدي والنفسي

جندرة الدستور السوري القادم مطلب نسوي وحقوقي يمس كل سورية

الرئيس الالماني يدعم ميركل ويؤكد: ألمانيا ليست “سفينة تغرق”

هل تعتبر ألمانيا دولة علمانية؟