in

المرأة الأوروبية بين الصورة النمطية والواقع

حوار مع الصحافية السويسرية مونيكا بوليكر

حاورتها ولاء خرمنده

الصورة النمطية هي مجموعة أفكار جاهزة حول شخص/فئة من الناس، أو شيء ما، وهي ما يجعلنا نتورط بالأحكام المسبقة على فئات لم يسبق لنا التعامل معها.

والمشكلة أنها تأخذ شكلا من التعميم يصنع حواجز مع الآخرين، في المجتمع العربي العديد من هذه الصور النمطية، إحداها تجاه المرأة والمجتمع الأوروبيين، وللآسف؛ علينا الاعتراف أن نظرة العربي للمرأة الأوروبية سلبية بالمجمل، هذا ما سيعقد حياة بعض القادمين الجدد إلى هنا مع أفكارهم المسبقة، ففهم حقيقة المرأة الأوروبية أمر مهم ويمكنه مساعدتنا على فهم المجتمع عموما وتسهيل التواصل مع المجتمع المضيف، ربما مع النساء خصوصاً.

هذا ما أثار النقاش مع مونيكا بوليكر وهي صحفية تعمل كمراسلة في عدة دول عربية لصالح جريدةNZZ Neue ZUrcher  السويسرية الشهيرة، تعلمت اللغة العربية في دمشق، وتنقلت بين عدة دول عربية، ومازالت تعيش في الشرق الأوسط، ولديها إلمام بالثقافة والمجتمع العربيين، وكانت قد عانت من هذه النظرة مسبقًا.

بوليكر: هذه النظرة تتمحور حول الجنس

“تعرضت عدة مرات لأسئلة غريبة عن حياتي الجنسية، ووضعي الاجتماعي من غرباء، وكذلك لمحاولات إقامة علاقة جنسية معي من خلال طرق مبتذلة، وكنت أعرف أن هذا الأمر بسبب النظرة المغلوطة عن المرأة الأوروبية”. أسباب كثيرة راكمت هذه النظرة، أبرزها الإعلام والسينما والأفلام الإباحية، كذلك الفهم الخاطئ لكثير من المفاهيم والعادات التي تصلنا عن المجتمع الأوروبي كتدريس الثقافة الجنسية، الحريات الجنسية، وتشريع الإجهاض! لعبت السينما والإعلام دورًا مهما في هذا، ولكن الدور الأبرز كان للأفلام الإباحية التي خلقت صورة شكلية أيضًا عن المرأة الأوروبية فهي دائما شقراء، شرهة جنسيًا، وعلى استعداد لإقامة علاقة جنسية مع أي شخص، ودون أية مقدمات، وهذا ما تعتقده مونيكا: “أعتقد أن عددًا كبيرًا من الشباب العربي يشاهدون هذه الأفلام ويحاولون إسقاط كل ما فيها على الواقع، ولأن معظم هذه الأفلام تنتج في الغرب، يتصور المشاهد أنها القاعدة في تعاملنا كغربيين، بالإضافة أنها تبني أفكارًا خاطئة عن العملية الجنسية بحد ذاتها، بينما في الواقع معظم الأوروبيين يفضلون الجنس بوجود علاقة عاطفية، وهذه العلاقة ليست واضحة في الشرق الأوسط، فرغم غياب عقد الزواج، الناس ينظرون للحب بعين الاحترام والقداسة، وتتطلب هذه العلاقة من الطرفين الاحترام والصدق والوفاء، وهناك أشخاص يقومون بتجارب جنسية كثيرة لأسباب مختلفة بعضها بدافع الفضول، ولكنهم ليسوا القاعدة العامة، بل على العكس، بالإضافة إلى أن هذه التجارب تمر ضمن مراحل عمرية أو حياتية معينة وقليل من الناس من ينتهجها كأسلوب حياة”.

الثقافة الجنسية والإجهاض

“مازال كل من موضوعي الثقافة الجنسية وتشريع الإجهاض مثار جدل بين المحافظين واليساريين في أوروبا، ودروس الثقافة الجنسية تختلف بين الدول الأوروبية، وكذلك بين المدارس، وأعتقد أن الأمر ضرورة، كنت أقرأ بعض مجلات المراهقين التي تخصص زاوية للجنس رغم معارضة والدي لذلك، لأنها تقدم بعض الأفكار الخاطئة، إلا أن الفضول كان دافعًا قويًا، وقد تعلمت منها أمورًا مهمة عن حقوقي كامرأة بالوصول إلى النشوة الجنسية، وتساوي طرفي العلاقة، وحقي بالرفض، وعن المسؤولية مع الجنس، أما في الثانوية فمن خلال دروس العلوم فهمنا تشريح جسم المرأة والرجل وكيفية حدوث الحمل، ضرورة استخدام وسائل الحماية أثناء الجنس، ومخاطر ممارسة الجنس بشكل عشوائي ودون وعي كاف، أما عن الإجهاض فهو مشرع ببعض الدول فقط، وبشرط أن يكون عمر الحمل أقل من ثلاثة أشهر، وهو ليس دعوة للإباحية، أو حلًا لتبعات ممارسة الجنس العشوائية، هذا قرار صعب على كل امرأة، ولن تتخذه بسهولة، في بعض الحالات يكون الاستمرار بالحمل وإنجاب طفل إلى هذا العالم أصعب، فهو حل أخير استثنائي وليس تشجيعًا على مزيد من الجنس”.

الحرية الجنسية

تؤكد مونيكا: “من حيث المبدأ، الحرية الجنسية تعني حرية الإنسان بجسده، واحترام رغبة أي شخصين بممارسة الجنس برضاهما، مع تجريم القانون للراشد الذي يمارس الجنس مع قاصر، عندما كنت مراهقة كان معظم الناس يبدؤون بممارسة الجنس بعمر الثامنة عشرة، ربما بعض المراهقين اليوم يبدؤون قبل هذا، وهذا أيضًا مرتبط بكثير من العوامل كالتعليم والبيئة الاجتماعية، ولكن عمومًا؛ الحرية الجنسية لا تعني أن الأوروبيين مشغولون بالجنس فقط، وكذلك هذا لا يعني أن أية امرأة ستمارس الجنس بمجرد طلبه، فالأوروبية ككل نساء العالم لديها معاييرها ومتطلباتها التي أقلها أظهار الاحترام من الطرف الأخر، ووجود حد أدنى من الإعجاب والتفاهم، حتى في تلك العلاقات التي تقوم على أساس الجنس فقط”.

خارج الجنس علينا أيضا مناقشة مفاهيم أخرى حولها، فبرغم وجود عربيات عاملات، مستقلات، ومتساويات مع الرجل في كثير من الميادين، إلا أن المجتمع العربي بمعظمه يفرض على المرأة أدوارًا اجتماعية معينة، ويحارب محاولات العربيات للتحرر والمساواة الحقيقية مع الرجل أمام القانون، على الأقل بحجة أن هذه الحقوق بدع غربية، أو قد يستعمل المجتمع الترهيب بالحديث عن المجتمع الأوروبي كنموذج فاشل، مشككا بحريات المرأة الأوروبية وقدرتها على الاستقلالية “من الطريف أن بعض الرجال كان يرتبك ويحتار بالتعامل معي كامرأة تعيش وحيدة في بلد بعيد وثقافة مختلفة، تعمل كصحفية وتدخل أماكن عامة حكرًا على الرجال، فأنا لا أعتبر امرأةً كوني أقوم بأدوار لا تندرج تحت ما يعقدونه أدوارا طبيعية للمرأة في المجتمع، وكذلك بما أنني لست رجلا أيضا، فيقررون التعامل معي كمسترجلة!. في أوروبا لا يمكن إنكار الحقوق والمساواة الكاملة مع الرجل أمام القانون، ووجود فرص واسعة للاستقلال والعمل وتحقيق الذات أمام المرأة، إلا أنه من غير المنطقي التعامل مع النساء الأوروبيات ككتلة واحدة أو التعامل مع أوروبا كمجتمع واحد، هناك تباين حقيقي بين الأرياف الإيطالية والمدن الأوروبية الكبيرة مثلا، وفروق مجتمعية وفردية بين الأوروبيات تتعلق بالبيئة والتعليم، ومازالت هناك مشكلات تواجه المرأة الأوروبية عمومًا”.

ما هي مشكلات المرأة في أوروبا؟

“بعض النساء يعانين في أماكن العمل من النظرة لهن كأشخاص عاطفيين وأقلّ منطقية من الرجال، هناك فرق واضح في الأجور بين النساء والرجال الذين يقومون بذات العمل، محاولة الضغط على المرأة فقط، لتقوم بكل الأدوار بمثالية، فالمرأة التي تتفرغ لدورها كزوجة وأم ينظر لها باحترام أقل وكأن عليها دفع ضريبة “منحة” المجتمع فتح أبواب العمل والاستقلال لها، والمرأة التي تختار تحقيق ذاتها عليها التنازل عن بعض الأدوار، وفي حالة جمعها بينهما فإنها مطالبة بالنجاح بكل شيء بالمطلق دونا عن الرجل”

في النهاية،

“بعض المبالغات والمغالطات التي يتداولها بعض العرب عن المجتمع الأوروبي، سببها الصراع الثقافي المختلق بين الشرق والغرب، ووجود “نحن” و”هم”، السبب نفسه الذي يخلق نمطية مقابلة عن العربي يتبناها الأوروبيون، وكأنما هي محاولة لإثبات الهوية من خلال اختلاق اختلافات مع الأخر غير موضوعية بمعظمها”.

لانا إدريس، سورية ألمانية أسست “غيالبا” لدعم اللاجئات السوريات

صرخة