in

اللهب والعنقاء السورية

 

وفاء صبيح |  إعلامية سورية وناشطة في شؤون المرأة

المرأة السورية ليست بخير أبدًا، تاريخيًا تلتهم الحروب، أول ما تلتهم مشاعر النساء وكراماتهن، يُقتلن بدم بارد، ويتعرضن لجميع الانتهاكات، ويفقدن الأحبة ويعانين من الخوف والاضطرابات النفسية والإحساس بفقدان الأمل، وهنّ عاجزات لا حول ولا طول.

المرأة السورية مستضعفة، والحرب المجنونة، العبثية زادت من ضعفها وعجزها إلى مستويات لا تخطر ببال، فمع النزاع المسلح المتواصل، الذي يطحن روحها ومن تحب أمام عينيها، بات الأبرياء، والنسوة في طليعتهم، هم الأهداف الرئيسية لممارسة فعل التوحش.

كيف يمكن مقاربة واقع المرأة السورية الآن؟ ومن أي الزوايا يمكن وضع الأولويات والاستراتيجيات تحسبًا لليوم التالي، ليوم تضع فيه الحرب أوزارها؟ هل يمكن الحديث عن تمكين اقتصادي وهي تتعرض لبراميل النظام في المخيمات والمناطق الخارجة عن سيطرته؟ هل يمكن ذلك وهي تتعرض لقتل واستباحة من نوع آخر، على يد الهيئات الشرعية و”الحسبة” في تلك المناطق، حيث يسود منطق السلاح ومنطق المرأة-العورة، ومنطق الخلافة والدولة الإسلامية، حيث يتم بيع الدين بالجملة والمفرق.

يوم المرأة العالمي كان مناسبة لإعادة الحديث عن أوجاعنا نحن النساء، ولربما نحن بأمس الحاجة إليه، في هذه السنوات التي تتعرض فيها النساء السوريات، إلى عمليات تجريف عقلي وجسدي نحو القرون الوسطى، قرون الجهالة حيث المرأة مجرد متاع.

في أحيان كثيرة يبدو واقع النساء في مختلف دول العالم متشابه إلى حد ما.  فالنسوة شكّلن، في عام 2015 نصف اللاجئين في العالم، أي أكثر 30 مليون امرأة. هذا الواقع يجعل من تحقيق طموحات الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بشأن المرأة، أشبه بمعجزة.

في العام الماضي وتحديدًا في الأول من كانون الثاني-يناير 2016، بدأ نفاذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدها قادة العالم في أيلول-سبتمبر 2015 في قمة أممية تاريخية.

تريد “الأمم المتحدة” من خلال هذه الخطة تنفيذ 17 هدفًا، منها “المساواة بين الجنسين” و”الحد من أوجه عدم المساواة”. تخطط الأمم المتحدة لأهدافها “النبيلة” وتطرحها كاقتراحات فقط، فهي ليست ملزمة قانونًا، ولا تمتلك مخالب وأنياب الفصل السابع، وبالتالي تطبيقها سيكون كيفيًا، انطلاقًا من حيثيات خاصة لكل بلد.

“الطريق إلى الجحيم معبد بالنوايا الطيبة”. هل يمكن أولاً أن تنتهي المقتلة السورية بحلول 2030؟ أم أنها ستنتهي للتو وبعدها مباشرة، سنضمن أن “يتمتّع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيّد”؟.

وإذا وضعت الحرب أوزارها، هل يمكننا حقًا “القضاء على جميع أشكال العنف ضد جميع النساء والفتيات في المجالين العام والخاص”؟.

المتابع لكرامة المرأة السوريّة وهي تنتهك في مخيمات النزوح، لقلة الدواء والغذاء وامدادات التدفئة، والمراقب لوجعها وهي تتحدث عن فقد من تحب، يدرك أن أولوياتها الآن تتمحور حول توقف السماء عن سكب الحمم فوق رؤوسها، وأن العودة إلى منزلها تُمثل أيضًا صيانة أولى لكرامتها.

ترتيب الأولويات، أو عدم القدرة على تحقيقها الآن، لا يعني عدم الاستعداد لإنجازها، استعدادًا لذلك اليوم، وبالتالي لا غنى عن إنجاز الإطار النظري لذلك الاستحقاق، رغم عدم معرفتنا الأكيدة بموعد قدومه.

تبدلت أوضاع النساء على وجه المعمورة، ومنذ أن أضربت نسوة نيويورك في العام 1909 احتجاجًا على ظروف عملهن، وصولاً إلى العام 1975 حينما أعلنت “الأمم المتحدة” يوم 8 آذار-مارس يومًا عالميًا للمرأة، تغيرت أمور كثيرة. تقدمت النساء في بلدان ووسّعن دوائر حقوقهن، وتراجعن في بلدان أخرى، وكانت سوريا والدول العربية من بلدان التراجع والإخفاق.

في سوريا لا يمكن على الإطلاق أن ننسى نازك العابد، أو عادلة بيهم الجزائري، أو ألفة الإدلبي، ونذكر معهن أن المرأة السورية عنقاء تنتظر إطفاء الحريق واخماد اللهب. ثمة امرأة اسمها العنقاء السورية.

الطاقة النووية؟ لا شكرًا!

مدوّنة المرأة: متلازمة صرنا عالباب